كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
اخبار و مقابلات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
مقابلة نجيب صعب مع جريدة التونسي
تموز (يوليو) 2009

نشرت جريدة "التونسي"، وهي لسان حال "حزب الخضر للتقدم" في تونس مقابلة مع أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب، في عددها الصادر في 16 تموز (يوليو) 2009. أجرى المقابلة نبيل زغدود، الكاتب في الجريدة وعضو المجلس الوطني لحزب الخضر للتقدم. هنا نص المقابلة.

أسئلة الحوار:

1. بداية، دكتور نجيب صعب  من الهندسة إلى الاهتمام بالقضايا البيئية. كيف كانت الرحلة؟

نجيب صعب: ليس هناك من تناقض بين الهندسة المعمارية والبيئة بل تكامل. فالبيئة مجموعة اختصاصات، وهي لا تنحصر في قضايا التلوث الكيميائي كما يعتقد البعض. الادارة البيئية تشمل أساساً حسن ادارة الموارد الطبيعية على نحو يضمن الاستدامة والاستمرار مع الحفاظ على نوعية حياة راقية. وتشمل هندسة العمارة اختصاصات تنظيم العمران وتحديد استخدامات الأراضي، الى جانب الأساليب التي قد تكون متناسقة مع البيئة ومقتصدة في استخدام الطاقة والمياه ومواد البناء، كما قد تكون غير ملائمة فتؤدي الى الاسراف غير المجدي. وقد أصبح مفهوم العمارة الخضراء شائعاً اليوم، وهو يعني بالفعل أساليب العمارة المتوافقة مع البيئة، وفي حالات كثيرة يعني عودة الى الطبيعة من خلال تطوير الأساليب التقليدية باستخدام التكنولوجيات الحديثة. هذا من حيث علاقة الهندسة بالبيئة، وقد طبقت هذه المفاهيم شخصياً خاصة عندما قمت لسنوات طويلة بإعداد تصاميم هندسية لشركات دولية، استخدمت فيها دائماً المواد الملائمة والمعاد تدويرها وحرصت على تطوير تصاميم توفر في استخدام الطاقة والمياه. أما عن سؤالك عن انتقالي من الهندسة الى البيئة، فحياتي العملية جمعت منذ البداية بين الهندسة والبيئة والاعلام. أثناء دراستي في الجامعة الأميركية في بيروت، أنشأت منظمة طالبية كانت مهمتها تنفيذ برامج تنمية ريفية متوافقة مع البيئة في جنوب لبنان، وكان هذا في سبعينات القرن الماضي. وأثناء دراستي الجامعية أيضاً، عملت محرراً في جريدة "النهار" اللبنانية وكان من بين مساهماتي سلسلة تحقيقات عن مواد البناء الصديقة للبيئة وأساليب العمارة التقليدية، وهذا ما دفع برنامج الأمم المتحدة للبيئة الى توظيفي فور تخرجي عام 1977 بصفة مسؤول اعلامي للمنطقة العربية. ومع اني تركت الأمم المتحدة كموظف دائم متجهاً الى العمل الهندسي الخاص منذ 1977، فقد استمريت في القيام بمهام استشارية لمنظمات دولية في مجالات البيئة والتكنولوجيا الملائمة، الى أن بدأت إصدار مجلة "البيئة والتنمية" في عانم 1996، وصولاً الى قيام المنتدى العربي للبيئة والتنمية سنة 2006 كمنظمة اقليمية مستقلة، شرفني مجلس أمنائها باختياري أميناً عاماً لها.

2. بوصفكم الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية لو تقيمون الوضع البيئي في العالم العربي، وما مدى جديّة برامج التنمية به؟

نجيب صعب: أبدأ بالايجابيات. فغالبية البلدان العربية لديها حالياً إما وزارة بيئة أو هيئة بيئة حكومية. والمجتمع المدني والقطاع الخاص ينخرطان أكثر في الأمور البيئية، وإن كان على مستويات مختلفة من الفعالية. كما بدأت بعض الجهات الحكومية المسؤولة عن البيئة بوضع خطط استراتيجية، كما يحصل في تونس وأبوظبي. وفي حين كنا بالكاد نجد اشارة الى البيئة في وسائل الاعلام العربية قبل عشر سنين، فقد بدأت البيئة اليوم تدخل في دائرة الاهتمام الاعلامي، وفي حالات كثيرة في صلب نشرات الأخبار، التي كانت مقتصرة حتى وقت قريب على مواضيع السياسة والاقتصاد والكوارث. ومع انه تم تحقيق الكثير في المنطقة العربية في ما يتعلق بالوعي والمبادرات البيئية، الا أن الأكثر ما زال مطلوباً. فالبيئة ما زالت في معظم الحالات موضوعاً يضاف الى خطط التنمية بعد انجازها، بدل أن يكون جزءاً متكاملاً منها. والمشكلة الرئيسية ان حكوماتنا لم تضع بعد قيمة اقتصادية للتدهور البيئي، بحيث يتم ادخال كلفة هدر الموارد والتلوث في الموازنات الوطنية. كما انه لم يتم في معظم الحالات ربط البرامج البيئية بحوافز اقتصادية، يمكن من خلالها تشجيع المبادرات الصديقة للبيئة من باب الاعفاءات، وردع المبادرات المخلّة عن طريق الغرامات والضرائب. لقد حدد تقرير "البيئة العربية: تحديات المستقبل" الذي صدر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية المشاكل الرئيسية التي تواجه البيئة العربية، ووجد أن المنطقة تخسر خمسة في المئة من الناتج القومي بسبب التدهور البيئي، فيما لا يتجاوز ما يتم صرفه على البرامج البيئية واحداً في المئة في أي بلد عربي.

3. يصدر المنتدى العربي للبيئة والتنمية تقريراً سنوياً حول الوضع البيئي في البلدان العربية، ما هي المقاييس التي تعتمدونها في صياغة هذا التقرير؟ وهل تأخذ الحكومات العربية التوصيات التي تصدرونها بعين الاعتبار؟

نجيب صعب: التقرير السنوي الذي يصدره المنتدى عن وضع البيئة العربية يتميز بأنه مستقل ويقوم بإعداده مجموعة من أبرز الخبراء العرب. انه يعتمد على البيانات الموثوقة الصادرة عن مراكز الأبحاث والمنظمات الوطنية والدولية، ويحاول سد الثغرات في المعلومات المتوافرة عن طريق اضافات تستند الى الخبرة الميدانية للخبراء الذين يعدّون التقرير. وقد ناقش المنتدى تقريره لعام 2008 في مؤتمره السنوي العام الذي عقده في البحرين، وحضره أكثر من 350 مندوباً من هيئات حكومية وخاصة وأهلية ودولية، كما تم تقديمه في لقاءات عقدت في مجموعة من العواصم العربية. وقد حظي التقرير بتغطية اعلامية واسعة جداً، ليس في العالم العربي فقط بل في مناطق أخرى، حيث تم اصداره أساساً بالعربية والانكليزية، وترجم لاحقاً الى اليابانية والاسبانية. وقد عرض التقرير على مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة، وظهرت معظم توصياته في الاعلان الصادر عن القمة الاقتصادية في الكويت في بداية هذه السنة. ما يميز عمل المنتدى انه يتوجه الى الجمهور والقطاع الخاص والحكومات في الوقت عينه، ولا يبقي البيئة في إطار النقاشات المغلقة المحصورة في جماعات البيئة، والتي تتحول غالباً الى ما يشبه "حوار الطرشان".

4. دعا تقرير "البيئة العربية: تحديات المستقبل"، الذي قدمه المنتدى العربي للبيئة والتنمية خلال شهر أكتوبر 2008 إلى إيلاء عناية عاجلة لأربع مشاكل رئيسية هي: ندرة المياه العذبة، والتصحر، وتلوث البيئة البحرية، وتلوث الهواء، كما نبّه إلى أن هذه المشاكل ستتعاظم بسبب انعكاسات تغيّر المناخ. وقدر التقرير أن الاقتصاد العربي يخسر 5 % من الناتج القومي سنوياً بسبب التدهور البيئي، بينما لا تتجاوز ميزانيات المشاريع البيئية في أي بلد عربي واحداً في المائة، إلى ماذا يعود هذا التخلّف البيئي لدى الشعوب العربية؟

نجيب صعب: تقرير المنتدى حدد عدداً من المشاكل البيئية التي تواجه المنطقة العربية، وقدم مجموعة من التوصيات، معلناً أن تحقيقها لن يتم الا بتأمين الارادة السياسية على أعلى المستويات القيادية في العالم العربي. أعود الى التأكيد أن المعالجة الجدية للتدهور البيئي تبدأ بوضع قيمة اقتصادية وأخلاقية للموارد الطبيعية، وإدخال كلفة التدهور البيئي في الموازنات الوطنية.

5. تمثّل المنطقة العربية أرضاً خصبة لإنتاج الطاقة الشمسية، إلا أن ثقافة استخدام الطاقة المستدامة والمتجددة وخاصة الشمسية تكاد تكون شبه منعدمة، برأيكم ما هي أسباب ذلك؟

نجيب صعب: السبب الرئيسي لعدم الاستفادة الكاملة من الطاقة الشمسية في الدول العربية هو الدعم المقدم الى مصادر الطاقة التقليدية في معظم الدول، الذي يجعل سعر الوقود والكهرباء منخفضاً على نحو اصطناعي. وهذا يعود في جزء كبير منه الى عدم أخذ كلفة التلوث والهدر في الاعتبار عند احتساب سعر الوقود والكهرباء. ولكن على الرغم من هذا فإن بعض استخدامات الطاقة الشمسية، مثل تسخين المياه والتدفئة، تبقى ذات جدوى اقتصادية كبيرة في جميع الدول العربية، حتى مع وجود الدعم للمحروقات، ولا بد في مرحلة أولى من فرض استخدام اللاقطات الشمسية لتسخين المياه في جميع الدول العربية، من ضمن شروط تراخيص البناء. أما انتاج الكهرباء من الشمس والرياح، وهو ممكن في جميع أنحاء المنطقة العربية، فلا بد من أن يخرج من التجارب المتواضعة ومراكز الأبحاث النموذجية، وهي موجودة في بعض بلداننا، الى التطبيقات العملية على نطاق واسع، مع تحديد أهداف رقمية مرتبطة ببرنامج زمني، مثل الالتزام بانتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2025. ولا بد أيضاً من العمل الجاد على تحسين كفاءة استخدام الطاقة التقليدية، حيث أن معظم الدول العربية تعاني هدراً في استخدام الطاقة على الصعيدين الخاص والعام، بما يصل الى حدود خمسين في المئة. والمطلوب أيضاً توسيع الانخراط في برامج الأبحاث لتطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة محلياً. وفي النهاية، لن ينجح أي برنامج ما لم يتم ربطه بحوافز وروادع اقتصادية.

6. مع بروز الأزمة الاقتصادية العالمية، ظهرت عدة أصوات داعية إلى اللجوء إلى ما يسمى بالاقتصاد الأخضر للخروج من الأزمة، ما هي أهم مرتكزات هذا الاقتصاد؟

نجيب صعب: اعتدنا خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على مقولة أن التزام الولايات المتحدة بمندرجات بروتوكول كيوتو سيؤدي الى انهيار الاقتصاد الأميركي. وقد شهد العالم أن الاقتصاد الأميركي انهار، وجر معه اقتصادات العالم كلها الى الحضيض، رغم أن الولايات المتحدة انسحبت من بروتوكول كيوتو وكل ما كان يتطلبه من تدابير لخفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. وهذا ما دفع العالم إلى التوجه نحو معايير اقتصادية جديدة في عملية بناء الأنظمة المنهارة. وكان إدخال مفهوم "الاقتصاد الأخضر" في طليعة هذه التعديلات. انه يقوم على الاستثمار في نشاطات متوافقة مع الحفاظ على البيئة والادارة الرشيدة للموارد، تؤدي الى خلق فرص عمل جديدة في هذا الإطار. لهذا وجدنا أن مجموعة الحوافز الاقتصادية التي خصصتها دول العالم وضعت نسبة كبيرة لنشاطات الاقتصاد الأخضر، مثل الطاقة المتجددة وكفاءة إنتاج الطاقة واستخدامها والزراعة المستدامة والسياحة البيئية وادارة المياه. وقد بلغت النسبة المخصصة للاقتصاد الأخضر 80 في المئة من مجموعة الحوافز في كوريا الجنوبية، و38 في المئة في الصين و25 في المئة في الولايات المتحدة. لقد اقتنعت الحكومات ان تخصيص حوافز للاقتصاد الأخضر ليس ضرباً من الرفاهية، بل يخلق فرص عمل أيضاً. ففي الولايات المتحدة من المنتظر ان يخلق برنامج قيمته مئة بليون دولار لتحسين كفاءة الطاقة في الأبنية والمدن الأميركية مليوني فرصة عمل جديدة خلال أربع سنوات. وفي المنطقة العربية مجال كبير للاستثمار في الزراعة العضوية، التي تتطلب كثافة في العمالة وتوفر بهذا فرص عمل كثيرة لملايين العاطلين، سيما ان سوق هذه الزراعة تطور في العالم من 15 مليار دولار عام 1999 الى أكثر من 50 ملياراً اليوم. في المختصر، اذا كان لا بد من اعادة بناء نظام اقتصادي جديد، يجب أن يتم بناؤه على أسس سليمة تحترم قيمة البيئة ولا تعتبرها سلعة مجانية.

7. يتطلب التثقيف والوعي بالقضايا البيئية إرساء منظومة تربوية تقوم على إعطاء هذا الجانب أهمية صلب البرامج التربوية خاصة لدى الناشئة، لكن المتمعّن للبرامج التربوية بأغلب البلدان العربية يلاحظ غياب شبه كلي للتربية البيئية، بماذا تفسرون ذلك؟

نجيب صعب: التربية البيئية يجب أن تدخل جزءاً في كثير من مواضيع التعليم ما قبل الجامعي، ولا تنحصر في مواد العلوم الطبيعية فقط. فمع وجوب تعديل مناهج العلوم الطبيعية لادخال الموارد الطبيعية والتلوث من منظار جديد كجزء متكامل فيها، لا بد من ادخال المواضيع البيئية المستجدة في مناهج الجغرافيا والعلوم الانسانية والتربية المدنية، وحتى اللغة وادابها. وأذكر هنا أن أسئلة امتحانات الشهادة الثانوية الحكومية في لبنان اشتملت خلال السنوات الماضية على أسئلة بيئية لم تقتصر على التربية المدنية والعلوم، بل دخلت مسابقة الأدب العربي أيضاً، من خلال نص بيئي للنقد والتحليل. وفي اطار التعليم ما قبل الجامعي، لا بد أيضاً من ادخال النشاطات اللاصفية كجزء مساعد في التربية البيئية، خاصة عن طريق اقامة النوادي البيئية المدرسية. أما على مستوى التعليم الجامعي، فقد حصل تقدم ملموس في إدخال برامج بيئية، حيث تم احصاء 27 برنامجاً جامعياً و20 برنامجاً للدراسات العليا البيئية في تقرير المنتدى لعام 2008. ومع ذلك فما زالت هذه البرامج في مراحلها الأولى، وكثير من فروع المعرفة لا وجود لها، مثل التشريع والادارة البيئيين، فضلاً عن دمج البيئة في خطط التنمية.  أما في ما يخص البحث العلمي، فلا يتجاوز ما يتم تخصيصه في الدول العربية 0,2 في المئة من الناتج المحلي، في حين يبلغ المعدل العالمي 1,4 في المئة، وتخصص اليابان 4 في المئة من ناتجها القومي للأبحاث العلمية. وهذا ينعكس بالطبع على ضعف مستوى البحوث البيئية العربية.

اضغط هنا للحصول على الملف
عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات