كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
خطوة إلى الأمام

نجيب صعب، كانون الأول 2022


أما وقد انقشع غُبار المعارك المناخية في شرم الشيخ، فقد حان الوقت لنظرة متفحّصة هادئة تساعد في استخلاص الدروس والعِبَر. ولا بدّ أيضاً من تصحيح بعض التحليلات التي تصرّ على وصف القمة بالفشل، في محاولة للتذاكي عن طريق المخالفة ووضع أهداف غير واقعية.

لم يكن أحد يتوقع أن توضع مئات المليارات من المساعدات على الطاولة في هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة. إلا أن أموراً أخرى تحققت، قد يكون أبرزها حصول أقوى التزام على الاطلاق حتى الآن بالعمل المناخي، وغياب الأصوات المشككة. ولمّا لم يكن أحدٌ على استعداد لأن يتحمّل مسؤولية العرقلة، كانت"التحالفات التعطيلية" قليلة جدّاً نسبة إلى القِمم السابقة، وحين حصلت، تمّت تغطيتها بستار شعارات العدالة.

كما لوحظ غياب المفاوضين الذين كانوا يروّجون أنّ تغيُّر المناخ قضية وهمية هدفها فرض قيود على بعض الدول لمنعها من التقدّم. بينما التزمت قلّة من جماعات العلاقات العامة المموَّلة من صناعات ملوِّثة خطَّ دفاعٍ بديلاً يقوم على نظرية أنّ التغيُّر المناخي ظاهرة تتكرر كل ألف سنة ونيّف، ولا علاقة للنشاط البشري بها. ففي السنوات الأخيرة قطع العِلمُ الشكّ باليقين أنّ ما يحصل ليس دورات مناخية طبيعية، بل تبدُّل سريع يختصر في عشرات السنين ما كان يستغرق آلاف السنين. وفي حين يُعطي التبدُّل البطيء الأنظمة الطبيعية والإنسان مجالاً للتأقلم، فالتغيُّر المناخي السريع الذي يسبّبه تزايد الانبعاثات الغازية أضعافاً لا يترك فسحة للتعايش. والكوارث الطبيعية المتطرفة والمتكررة بوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة شاهِدٌ على هذا. إذاً، قمة شرم الشيخ كانت إيذاناً بنهاية مرحلة وانطلاق أخرى: متّفقون على ضخامة المشكلة وضرورة معالجتها سريعاً، فكيف نوزّع الأعباء؟ والذين تابعوا العمل المناخي، منذ انطلاقه قبل ثلاثة عقود، يعلمون أنّ التوافق على هذه القناعة ليس بالشيء القليل.

ليس صحيحاً ما يدّعيه البعض أنّ الاتفاق على إنشاء "صندوق الخسائر والأضرار" ككيان مستقلّ كان متوقّعاً. فقبل أيام من افتتاح المؤتمر، لم يكن وضعه على جدول الأعمال مطروحاً. وحين نجحت الرئاسة المصرية في إدخاله، وافقت الدول الصناعية شرط أن تستمر المفاوضات على إنشائه في الشهور اللاحقة، لطرحه مجدّداً في قمة السنة المقبلة التي تُعقد في أبوظبي. الإقرار غير المنتظر للصندوق كان إنجازاً للدبلوماسية المصرية، عن طريق تسوية قدّمها الاتحاد الأوروبي. كما أنّه ليس صحيحاً أنّ القمة تخلّت عن هدف وضع حدّ للارتفاع الأقصى في معدّل الحرارة، إذ اتفق الفرقاء أنّ "حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة يتطلب خفضاً سريعاً وكبيراً ومتواصلاً في انبعاثات غازات الدفيئة بمعدل 43 في المائة بحلول 2030 مقارنة مع 2019".

القرار ترك باب الاتفاق على تفاصيل الصندوق مفتوحاً. فهو لن يكون للتعويض عن خسائر تسبّبت بها الدول الصناعية تاريخياً، بل للمساهمة في معالجة آثار الكوارث المناخية الكبرى في الدول النامية الأكثر فقراً، من فيضانات وأعاصير وموجات جفاف وحرائق. وهذا سيفتح باب المفاوضات الصعبة حول من يتمتع بحق الاستفادة من الصندوق.

وكان واضحاً أنّ الدول الغربية لن تقبل بأن تشمل المساعدات دولاً أُعطيت شروطاً تخفيفية وفترة سماح عندما كانت تُصنّف نامية وفقيرة مع انطلاق مفاوضات المناخ قبل عقود، وأصبحت غنية ومن كبار الملوِّثين اليوم. وعدا عمّن يحق له الاستفادة من تقديمات الصندوق، سيتعيّن التفاوض على من يكون المساهمون في تمويله وبأي حِصَص. وهناك مطالبة بتوسيع دائرة المساهمين إلى الدول التي دخلت نادي "الاقتصادات الناشئة" في السنوات الأخيرة.

وفي حين أنّ لدولة كبرى مثل الصين كامل الحق في التقدّم، يبقى عليها الإعلان عن نيّاتها بوضوح، مع عدم الاستمرار في التلطّي وراء الدول الفقيرة طلباً لإعفاءات وتسهيلات. فرغم أنّ الصين اليوم من أكبر مقدّمي القروض للدول الفقيرة، إلا أنها عارضت في اجتماعات مجموعة العشرين إعفاء هذه الدول من بعض ديونها. وهذا يهدد بنشوء استعمار جديد، ينضم إلى "الإمبرياليات" القديمة، بينما المطلوب التخلّص منها جميعاً.

ومع تحديد مهمات الصندوق وهيكليته، لا بد من تجنُّب تداخل أعماله مع صندوق التكيُّف، لئلا يقتصر على نقل بنود الميزانيات من جهة إلى أخرى. فالمطلوب زيادة كبرى في الأموال المخصَّصة لصندوق التكيُّف المناخي، الموجود أصلاً، وحصر مهمّاته في تمويل المشاريع الوقائية، استعداداً لصدّ التأثيرات التي لن يمكن وقفها. أما صندوق الخسائر والأضرار فيخصَّص لتمويل معالجة الكوارث المناخية بعد وقوعها، ولذا يمكن اعتباره هيئة مختصّة بتمويل الطوارئ المناخية.

من أبرز نتائج القمة أنّها أعطت إشارات واضحة لمؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص، بأـنّها لن تستطيع بعد اليوم تجاهل وضع العمل المناخي في صلب برامجها. فالتعديلات المطلوبة في أنظمة البنك الدولي وغيره آتية لا محالة. ومن الانعكاسات الإقليمية إعلان "مجموعة التنسيق العربية" لصناديق التنمية، التي تضم 12 مؤسسة إقليمية ووطنية إلى جانب البنك الإسلامي وصندوق أوبك للتنمية الدولية، تخصيص 24 مليار دولار حتى سنة 2030 للعمل المناخي. وهذا يغطي التحوُّل في مجال الطاقة والمياه والغذاء، مع برامج مخصَّصة للدول الأكثر عرضة للتأثيرات المناخية، وفي طليعتها الجُزُر المنخفضة. أمّا القطاع الخاص، الذي دخل في مشاريع وشراكات بمئات المليارت، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة والمتجدّدة، فبات على يقين أنّ هذا هو الطريق الوحيد للبقاء في حلبة التنافس.

صحيح أنّ الأموال لم تتدفق على طاولات شرم الشيخ، لكن الإشارات السياسية الصريحة التي صدرت عنها أسفرت عن برامج واستثمارات وشراكات متعددة. إلا أنّ المطلوب أن تنتظم هذه كلها في سياسات وخطط وطنية متكاملة، فلا تبقى شذرات ومبادرات بالمفرّق من هنا وهناك، مما يهددها بالضياع.

صحافي مصري اعترض على مطالبتي الدول النامية أن تأخذ مصيرها بيدها، فتضع القوانين الجاذبة للاستثمار وترتّب بيتها الداخلي، لتعزيز الكفاءة والمراقبة ووضع حد للهدر والفساد، فكتب: "بأي حق يطالبنا الغرب بالديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد كشرط للمساعدة في العمل المناخي وتمويل التنمية؟" لكن القيام بهذه الإصلاحات واجب على الحكومات تجاه شعوبها قبل أن يكون استجابة لشروط خارجية.

كاتب صديق آخر، من لبنان، احتجّ على كلامي أنّ "التسويات تصنع الاتفاقات"، مطالباً بحلول جذرية لا تتنازل عن أي مطالب. جوابي أنّي أتمنى هذا أيضاً وأحترم المواقف الصامدة. لكن حين أتفاوض في قضايا دولية، أفضّل السير، ولو ببطء، على الوقوف. قمة شرم الشيخ أخذت العمل المناخي خطوة إلى الأمام.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات