كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
الناقلة اليمنية كما المناخ: لعب على حافة الهاوية

نجيب صعب، أيلول 2022


يؤكد التقاعس المتمادي الذي ميَّز معالجة موضوع ناقلة النفط المهترئة "صافر"، التي كانت تهدّد بتلويث لا سابق له في منطقة البحر الأحمر، أنّ العالم غالباً لا يتعلّم من تجاربه. فهو يتجاهل القنابل الموقوتة، ما دامت صامتة لا تحدث قرقعة مسموعة. وتتشابه قضية "صافر"، الخزان العائم الذي يحمل ما يزيد على مليون برميل من النفط الخام، مع انفجار مرفأ بيروت عام 2020. فقد كان جميع المسؤولين على علم بوجود آلاف الأطنان من مادة نيترات الأمونيوم المتفجّرة مخزّنة في المرفأ، لكنهم تقاعسوا عن إيجاد حل لأن المتفجرات كانت خامدة. وهذه طبيعة القنبلة الموقوتة: فإذا انتظرنا صوت الصاعق وتصاعُد الدخان، يكون قد فات الأوان لمنع الانفجار.

"صافر" ناقلة نفط أميركية قديمة، بُنيت عام 1976، وتم تحويلها لاحقاً إلى منصة تخزين عائمة، بطول 376 متراً وسعة تتجاوز 3 ملايين برميل. وهي ترسو منذ عام 1988 على مسافة 7 كيلومترات من الشاطئ الغربي لليمن، حيث كانت تُستخدم لتخزين النفط المستخرج من منطقة مـأرب وتحميله في ناقلات. وقد وجدت الشركة الأميركية صاحبة المشروع آنذاك أنّ تحويل الناقلة إلى خزان عائم ومنصّة تحميل أسرع وأرخص من بناء منشآت ثابتة على الشاطئ. ولاحقاً تحوّلت ملكية صافر إلى شركة النفط الوطنية اليمنية، قبل أن تتوقف عن العمل عام 2015 بسبب الحرب. لكن صيانتها توقفت قبل ذلك بسنوات، لأن الشركة المالكة كانت تعتزم بناء خزانات ومنشآت تحميل ثابتة على الشاطئ. لذا تُعتبر الناقلة هالكة منذ عام 2016، بسبب انعدام أعمال الصيانة الضرورية وتوقُّف الكشف الفني الدوري.

الصدأ ضرب أجزاء كبيرة من الناقلة، وتعطّلت المولّدات الكهربائية وأنظمة إطفاء الحرائق، كما دخل الهواء إلى الخزانات، مما عرَّض النفط للتلف بسبب الأكسدة. هذا كلّه جعل صافر قنبلة موقوتة معرّضة للانفجار في أي لحظة: فالصدأ والتشققات قد تتسبب في تسربات نفطية هائلة، والأمواج العاتية والأعاصير قد تؤدي إلى تحطّم السفينة بالكامل وتدفّق محتوياتها إلى البحر دفعة واحدة، وقد يرافق هذا انفجارات وحرائق. كما أنّ أي احتكاك أو ارتفاع كبير في الحرارة قد يشعل حريقاً يؤدي إلى تحطّم الناقلة وتسرُّب ما تبقّى من محتوياتها.

نحن هنا لا نتحدث عن سيناريو خيالي متطرّف، إذ إن جميع عناصر الكارثة متوافرة منذ سنوات. ويكفي لتقدير حجم الكارثة أنّ صافر تحمل على الأقل 4 أضعاف ما تسرّب من ناقلة "إكسون فالديز" عام 1980 على شواطئ ألاسكا، التي أصبحت عنواناً لأسوأ كوارث التلوّث النفطي في العالم. الفارق أنّ كارثة "إكسون فالديز"، كغيرها من التسرّبات النفطية الكبرى، كانت نتيجة حادثة غير منتظرة وغير مقصودة. أما في حال صافر، فالكارثة إذا وقعت ستكون عن سابق تصوُّر وتصميم.

ليست هذه المرة الأولى التي تكون فيها البيئة رهينة الحروب والنزاعات وضحيتها، وقد شاهدنا في الحرب الأوكرانية أفظع النماذج. فمحطة زابوريجيا النووية تُستخدم رهينة، كما استُخدم الأمن الغذائي العالمي سلاحاً في هذه الحرب، إلى جانب أمن الطاقة، مما قد يهدّد بتأخير تنفيذ الالتزامات المناخية ويضع الأمن البيئي العالمي في دائرة الخطر.

ما هي الآثار البيئية لتحطّم صافر أو احتراقها، وهذا حاصل لا محالة إذا لم تُنفَّذ تدابير عاجلة لمنع الكارثة؟ في حال تدفّق مليون ومئة ألف برميل من النفط الخام إلى البحر، ستواجه المنطقة كلها كارثة بيئية وبشرية غير مسبوقة تتجاوز اليمن. فالبحر الأحمر يشبه بحيرة كبيرة، يربطها باب المندب، المضيق الضيّق، بخليج عدن والمحيط الهندي، فيما تربطها قناة السويس بالبحر المتوسط. وفي حال وقوع الكارثة، ستضرب البقعة النفطية الضخمة الثروة السمكية والشعاب المرجانية وغابات المنغروف الساحلية، مما يهدّد الأمن الغذائي والسياحة والتنوُّع البيولوجي، ويحرم الملايين مصدر رزقهم. وسيتعطل عمل الكثير من محطات تحلية المياه، وتوليد الكهرباء، والمصانع الواقعة على الشواطئ. كما ستتعرض آلاف الكيلومترات من السواحل لتلوّث في التربة ومصادر المياه العذبة، مما يصيب ملايين السكان في صحتهم وأعمالهم. وقد تتوقف الملاحة في باب المندب وقناة السويس شهوراً.

أما إذا تزامن مع تحطّم الباخرة أو سبقه وقوع انفجار وحريق، فالأضرار ستكون مضاعفة، إذ سيرافق التسرُّب النفطي السائل غازات سامة تغطي سماء منطقة البحر الأحمر. ولهذا آثار كارثية على الصحة البشرية، كما على الانتاج الزراعي، بسبب تلوّث التربة بفعل السموم المتساقطة من الجوّ.

إذا كانت ظروف الحرب في السنوات الماضية عرقلت المعالجة، مع اتخاذ المتمرّدين الحوثيين السفينة كرهينة، فالهدنة التي بدأت منذ شهور فتحت نافذة للحلّ، وأعطت زخماً لمبادرة الانقاذ المرحلية التي كانت الأمم المتحدة أطلقتها منذ وقت طويل. المرحلة الأولى تشمل تفريغ الخزانات في ناقلات أخرى بكلفة 80 مليون دولار، على أن يتبعها التخلص على نحو سليم من هيكل الناقلة المتهالكة، بكلفة 60 مليون دولار. قبل أسبوع، أعلنت الأمم المتحدة أنها تحتاج إلى تعهّدات إضافية بقيمة 12 مليون دولار لإطلاق المرحلة الأولى قبل موسم الشتاء والعواصف. ولم ينقذ الوضع إلا إعلان الحكومة الهولندية في اللحظة الأخيرة مضاعفة مساهمتها، مما فتح نافذة لبدء العمل، لتبقى العبرة في التنفيذ.

إذا سبق التسرُّب النفطي عملية التفريغ الآمن للخزانات، فالكلفة المباشرة لتنظيف البحر والشواطئ ستتجاوز 20 مليار دولار، عدا عن الخسائر الاقتصادية والصحية. وهذا يتجاوز 200 ضعف الكلفة المقدّرة لمعالجة الكارثة قبل وقوعها. ومن الممكن استرجاع جزء من التكاليف عن طريق بيع كمية من النفط بعد تحميله في ناقلات، وفق صلاحيته للاستعمال بعد سنوات من التخزين في ظروف سيئة.

أما إذا سبق السيف العذل، ووقعت الكارثة قبل تفريغ الخزانات، فمن غير المسموح اعتبار القضية قضاءً وقدراً. فهي، مثل انفجار مرفأ بيروت، كارثة من صنع الإنسان، لأن الجميع كانوا يعرفون وتقاعسوا عن العمل. وهذا ينطبق على تغيُّر المناخ، الكارثة الأعظم التي يصنعها الإنسان، حيث من بيدهم القرار يعلمون بالمخاطر ويتقاعسون.

ولكن هل يمكن أن نثق بالذين تقاعسوا في التعامل مع مشكلة بسيطة نسبياً، مثل الناقلة صافر، لحلّ قضية معقّدة مثل تغيُّر المناخ؟ على المجتمع الدولي أن يكون أكثر جدّية، لأن سياسة حافة الهاوية لا تصلح لتغيُّر المناخ، ولن يستطيع بلد واحد أن ينقذ الوضع بسدّ العجز في اللحظة الأخيرة.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات