كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
زحف الصحراء لن ينتظر المناخ

نجيب صعب، حزيران 2022

كانت التغطية الإعلامية خجولة لأعمال القمة الخامسة عشرة للدول الأعضاء في "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر"، التي عُقدت في أبيدجان، عاصمة شاطئ العاج. فمع أن عدد الدول الموقّعة على اتفاقية التصحُّر بلغ 196، وهو يوازي تلك التي وقّعت على اتفاقية باريس المناخية، إلّا أن العالم لا يزال يعتبر التصحُّر مشكلة محلية لا ترقى إلى مرتبة التحدّي العالمي. لذا لم ينجح المؤتمر في إقرار خطة ملزمة للتعامل مع موجات الجفاف، التي تصيب مناطق شاسعة وتهدد الأمن الغذائي والصحة البشرية. فقد ضربت أفريقيا وحدها خلال العامين الأخيرين فقط 14 موجة جفاف حادّ. غير أن هذا لم يكن كافياً لحضّ الدول على وضع التزامات مرتبطة بجدول زمني، مشابهة لصيغة "بروتوكول كيوتو" لخفض الانبعاثات الكربونية وتعهّدات الصندوق الدولي للمناخ في اتفاقية باريس.

الواقع أن معظم الدول ما برحت ترفض اعتبار التصحُّر مشكلة عالمية، رغم أن الحقائق تثبت العكس. فالجفاف بدأ يضرب مناطق واسعة في أميركا وأوروبا، بوتيرة متسارعة، يضاعفها ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول بسبب التغيُّر المناخي. ولأن الجفاف سيكون أشدّ حدّة في أفريقيا وحوض البحر المتوسط الشرقي، فهو سيؤدي إلى تزايد موجات النزوح نحو الغرب لملايين البشر الباحثين عن مكان يقدّم أبسط مقوّمات الحياة. لكن بينما دعت الدول الأفريقية الأكثر تأثّراً بالتصحُّر والجفاف، مدعومة بدول أخرى من آسيا وأميركا اللاتينية والكاريبي، إلى اتفاقية ملزمة مع تمويل مناسب، ردّ الأوروبيون والأميركيون أنه يمكن التصدي للتصحُّر ضمن الآليات التمويلية الموجودة، بما فيها تلك المخصّصة لتغيُّر المناخ. وفي حين يبدو هذا الطرح منطقياً لتجنُّب الازدواجية، إلّا أن التمويل المناخي يعاني عجزاً كبيراً أيضاً، وقد تكون أولويّاته مختلفة. وكانت التسوية تأجيل اتخاذ قرار في الموضوع إلى القمة السادسة عشرة، التي عرضت السعودية استضافتها في الرياض بعد سنتين. صحيح أن اجتماع أبيدجان قرر إعادة تأهيل مليار هكتار من الأراضي المتصحّرة حول العالم بحلول سنة 2030، لكن، في غياب التمويل الكافي، يشكّك البعض في إمكانية تحقيق هذا الهدف الطموح، ويتخوّفون من أن يلقى مصير أهداف مماثلة وضعتها الاجتماعات السابقة. وللدلالة على هذا، فقد أخفقت مبادرة "الجدار الأخضر العظيم"، التي أُطلقت عام 2007 لتخضير 8 آلاف كيلومتر عبر القارة الأفريقية، في تحقيق أكثر من 15 في المائة من أهدافها المرسومة.

ويكفي لفهم خطورة المشكلة التذكير بأن ثلثي أفريقيا وبعض مناطق غرب آسيا، ومنها دول عربية، هي صحراء طبيعية أو أراضٍ جافة، تتمتع بإنتاجية محدودة. والأخطر أن 65 في المائة مما تبقى من أراضٍ كانت صالحة للزراعة تدهورت بسبب سوء الإدارة والحروب والنزاعات. وأظهرت دراسة عُرضت في مؤتمر أبيدجان أن أفريقيا تخسر 4 ملايين هكتار من الغابات سنوياً بسبب قطع الأشجار للحطب وإنتاج الفحم، الذي ما يزال مصدراً رئيسياً للوقود في المناطق الفقيرة. وهذا يجعل تأمين مصادر مضمونة للطاقة أولوية عاجلة لمحاربة التصحُّر وتغيُّر المناخ، أكانت من الشمس والرياح أم من البترول والغاز.

وقد تزامنت "قمة الصحراء" مع عواصف رملية عاتية ضربت بلداناً عربية عدة، من الإمارات والكويت والسعودية إلى العراق وسورية والأردن. وهذا دليل متجدّد على توسّع مشاكل التصحُّر والجفاف، بسبب تغيُّر المناخ وآثار الحروب والتوسّع العمراني غير المتوازن. صحيح أن الربيع هو فصل العواصف الرملية في المنطقة، لكنها كانت هذه السنة أكثر حدّة وتكراراً. فقد شهدت بغداد مثلاً 10 عواصف ضخمة شهرياً، بينما كانت في السابق بين 1-3 عواصف. وقد غطّت العواصف الرملية سماء كثير من المدن العربية بغشاء أحمر، فتسبّبت بمشاكل صحية وأجبرت المدارس وقطاعات الأعمال على الاقفال.

ويقدّر البنك الدولي الخسائر الناجمة عن العواصف الرملية في الدول العربية بأكثر من 13 مليار دولار سنوياً، معظمها في القطاع الزراعي والمطارات والموانئ والطرقات، إلى جانب الصحة البشرية. ولأن الحرارة ترتفع في المنطقة العربية بسرعة تفوق ضعفي المعدّل العالمي، مع نقص حادّ في الأمطار، فمن المؤكّد أن يتسبب هذا في ازدياد الجفاف والعواصف الرملية. وتُعتبر المبادرة السعودية لتخضير مساحات شاسعة من أراضيها، والمشاركة مع البلدان المجاورة في توسيع الغطاء الأخضر بزراعة مليارات الأشجار، أكبر برنامج في المنطقة لإدارة المناطق الجافة والتصدي للتصحُّر والعواصف الرملية.

يخلط كثيرون بين الصحراء كنظام طبيعي متكامل له خصائصه التي يجب الحفاظ عليها، والتصحُّر الذي هو تحوُّل الأراضي الخصبة إلى أراضٍ غير صالحة للانتاج، بسبب النشاطات البشرية. وهذا يتراوح بين القضاء على الغطاء النباتي بسبب التمدد العمراني والرعي الجائر وقطع الأشجار لإنتاج الفحم، والممارسات الزراعية المكثَّفة التي تُفقد الأرض مكوّناتها الخصبة، والإهمال. لهذا، فمكافحة التصحُّر وتدهور الأراضي لا تقتصر على التشجير، بل هي عملية متكاملة لإدارة الأراضي والتنمية.

مع أن التصحُّر مشكلة عالمية، فالآثار الأكثر حدّة تقع على المزارعين في الدول الفقيرة، حيث الخسائر الاقتصادية لتدهور الأراضي الخصبة هائلة. وقد أثبتت مضاعفات الحرب في أوكرانيا أن الانتاج المحلي هو الضمان الأكبر لتحقيق الأمن الغذائي، بما يحتّم الحفاظ على كل شبر من الأرض الصالحة للزراعة. المهمة الأولى هي بناء القدرات المحلية ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات وتشجيع استخدام الأنواع النباتية المحلية. والمطلوب أيضاً استقطاب مزيد من الاستثمارات للتنمية الزراعية والريفية، تركّز على مساعدة المزارعين الأفراد والعائلات الزراعية ودعم قدرتهم على التملُّك. فالشعور بمسؤولية الحفاظ على قيمة الأرض الزراعية المملوكة يحميها ويرفع الانتاج. لكن هذا كله لا يجدي إذا لم توضع معايير صارمة لاستعمالات الأراضي، تحفظ التوازن بين الحاجات المختلفة وتحافظ على الأنظمة الطبيعية. ولعل أهمّ ما توصلت إليه مناقشات مكافحة التصحُّر في الاجتماعات الأخيرة التوافق على ضرورة التعاون مع الاتفاقيات الدولية المختلفة، خاصة المناخ والتنوُّع البيولوجي، لتجنُّب التكرار والتداخل، واستقطاب تمويل أكبر لمشاريع متكاملة. وقد بيّنت الدراسات أن كلّ دولار يُصرف في الحفاظ على إنتاجية الأراضي ومنع تدهورها يعطي مردوداً يصل إلى 30 دولاراً.

مشاكل المناخ والتصحُّر والتنوُّع البيولوجي مترابطة، ومعالجة إحداها تنعكس فوائد على الأخرى، مما يتطلب مقاربات متكاملة تقوم على العمل عليها معاً. فالتصدّي لتحديات عاجلة، مثل وقف التصحُّر والقضاء على الفقر، لا يحتمل الانتظار ريثما تُحَلّ مشكلة المناخ.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات