كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
التكيُّف مرحلةٌ على طريق الحلّ

نجيب صعب، شباط 2021

تساءلتُ وأنا أتابع على الإنترنت أعمال جمعية الأمم المتحدة العمومية للبيئة الأسبوع الماضي، التي استضافها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، وقبلها قمة التكيُّف المناخي التي نظمتها هولندا في مدينة روتردام الساحلية: أيكون اللجوء إلى الاجتماعات الافتراضية عبر الفضاء الالكتروني رضوخاً للأمر الواقع الذي فرضته جائحة "كورونا"؟ وهل تشكّل الاجتماعات عن بعد عائقاً أمام تسريع الاجراءات الجدية لمعالجة مسبّبات الوباء، التي تبدأ بتوفير اللقاحات ولا تنتهي إلّا بإعادة التوازن بين الإنسان والطبيعة؟ الواقع أن هذه الاجتماعات الناجحة، التي شارك فيها الآلاف من كل دول العالم، أتاحت استمرار التواصل لمواجهة التحدّيات، بينما يتابع العلماء وصنّاع القرار العمل لإيجاد حلول تعالج أسباب المشكلة لا أعراضها.

لكن ما تعلمناه من التجربة أيضاً أنه، مع ضرورة التواصل الإنساني الشخصي، باتت العودة إلى المؤتمرات الضخمة، التي تجمع عشرات الآلاف من كل أرجاء العالم في مكان واحد، جزءاً من تاريخ لن يعود. والدليل أن قمتي البيئة والتكيُّف المناخي كانتا من أنجح الاجتماعات الدولية خلال السنوات الأخيرة، أكان في الحضور والمشاركة أم في مستوى النقاشات والنتائج. فلم يحصل قبلاً أن شارك مزيج متنوّع في المؤتمرات الدولية كما شهدنا في هذين الحدثين. وكان مميزاً مشاركة مئات الشباب من كل أصقاع الأرض في القمتين، مع إعطائهم فسحة موازية للقادة.

قبل عشرين عاماً، كان العاملون في مجال البيئة يعتبرون مجرّد الحديث عن التكيُّف مع التغيُّر المناخي مؤامرة للالتفاف على الإجراءات المطلوبة لتخفيف الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري. فعوضاً عن استئصال مسبّبات المشكلة، أي تخفيف الانبعاثات الكربونية، بشَّر فريق من السياسيين والشركات الكبرى بحل يقتصر على التعايش مع النتائج، التي اعتبرها البعض مجرد ظاهرة طبيعية.

بعد عقدين من الزمن، تبيّن أنّ كلاً من الفريقين عبَّر في موقفه عن نصف الحقيقة. فالقضية ليست صراعاً بين التكيُّف والتخفيف، إذ المطلوب العمل على الإثنين معاً، بعدما أصبح الكثير من آثار التغيُّر المناخي واقعاً، وبعض الآتي لن يمكن وقفه. وقد عبّرت قمة هولندا عن هذا التوجُّه حين دعت إلى توزيع التمويل المخصص للتغيُّر المناخي مناصفة بين التكيُّف مع النتائج والتخفيف من المسبّبات.

لقد وصل الارتفاع في معدل الحرارة العالمية إلى 1.2 درجة هذه السنة، أي أننا نقترب سريعاً من 1.5 درجة، وهو الحدّ الأعلى المقبول مع نهاية هذا القرن الذي يُبقي على إمكانية التعايش مع النتائج، إذ تصبح بعده الأرض كوكباً غير قابل للحياة. وحذّر الخبراء من أن العالم قد يتجاوز هذا الحدّ قبل الموعد بخمسين سنة، أي في 2050، إذا لم تُتخذ إجراءات سريعة وجذرية لتخفيف الانبعاثات. وليس علينا الانتظار طويلاً لنرى النتائج. فالتطرُّف في أحوال الطقس، من اشتداد حدّة العواصف والأعاصير وموجات الجفاف ووتيرة تكرارها وانتشارها في جميع مناطق العالم، ظواهر أصبحت جزءاً من حياتنا. البحار ترتفع سريعاً، مما يهدد مئات ملايين السكان في المناطق المنخفضة حول العالم، وموجات الجفاف تضرب إمدادات المياه العذبة وإنتاج الغذاء. والأمراض تنتقل إلى أماكن لم تبلغها سابقاً، بسبب أحوال الطقس المتغيّرة. هذه وغيرها تحدّيات نواجهها في الحاضر وتستوجب علاجاً سريعاً، وهي ستزداد وتتفاقم مع الوقت، قبل الوصول إلى خفض جذري في الانبعاثات الكربونية. وإذا كان خفض الانبعاثات كفيلاً بوقف التدهور، فليس من المؤكد إمكان محو الآثار الحاصلة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لذا، فهناك آثار ثابتة لتغيُّر المناخ، الآن وفي المستقبل، لا مفرّ من قبولها كأمر واقع والعمل للتكيُّف معها وتعزيز القدرة الانسانية على تحمّلها.

الرسالة الإيجابية من القمتين أن الحلول موجودة، والمطلوب تطويرها وتعميمها. فبينما كانت الحواجز والسدود الشاطئية هي العلاج الوحيد لحماية الأراضي المنخفضة من الغرق، بدأت هولندا بناء بيوت عائمة تتكيف مع ارتفاع البحر. وأصبحت مواجهة تراجع الإنتاج الغذائي بسبب الجفاف ونقص إمدادات المياه العذبة ممكنة، عن طريق وقف الهدر والتحوُّل إلى أساليب ري أكثر كفاءةً وزرع محاصيل تحتمل الجفاف والملوحة. أما التصدي للأمراض المستجدة الناجمة عن المناخ، فيتطلب تعزيز الوقاية واعتماد نظام تغذية يمنع السمنة ويعطي الجسم مناعة ضد العدوى، مع تطوير عقارات وأساليب علاجية جديدة وخطط طوارئ صحية.

قمة التكيُّف المناخي خرجت بتوصيات والتزامات واضحة للتصدي جدّياً للتحديات المناخية، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا. فقد أكدت الدول الأوروبية تخصيص مبالغ ضخمة لتحقيق متطلبات "الصفقة الخضراء" التي أطلقتها العام الماضي، مع فرض شروط بيئية صارمة للحصول على أموال المساعدات التي لحظتها خطط التعافي الاقتصادي من الجائحة. وتعهّد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري بأن الولايات المتحدة ستعوّض عن غيابها لأربع سنوات عن العمل المناخي الدولي، عن طريق تعزيز دعم البحث العلمي والتكنولوجيا المناخية، والتمويل، والتعاون الدولي. كما أكد أن بلاده ستتقوم بكل ما هو مطلوب لإنجاح قمة المناخ السادسة والعشرين المقبلة، ودعم العمل الدولي لوقف ارتفاع الحرارة عند حدود الدرجة ونصف الدرجة.

فهل يعوّض العالم عما خسره من وقت لمجابهة التحدّي المناخي؟ وهل تفي الدول بتعهداتها تقديم 100 مليار دولار سنوياً لصندوق المناخ حتى سنة 2030؟ وقد أوضح الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته أمام قمة هولندا أن نتائج الاستمرار بالتقاعس كارثية، لأنه إذا لم تبدأ الدول بتنفيذ تعهداتها سنة 2021، فإن الفاتورة سترتفع في 2030 ثلاثة أضعاف، أي إلى 300 مليار دولار سنوياً.

عشرات رؤساء الدول، غنيّها وفقيرها، أكّدوا في قمة هولندا دعمهم للتدابير الكفيلة بمواجهة تحديات التغيُّر المناخي. وشاركتهم في هذا مؤسسات تمويل دولية تعهّدت بوضع المناخ في طليعة أولوياتها. النيات موجودة بالتأكيد، لكن المطلوب حسن التنفيذ. فحين تمنح الدول الأوروبية عشرات المليارات لدعم شركات الطيران المتضررة من الجائحة، مثلاً، عليها أن تفرض تدابير لخفض الانبعاثات، مثل إلغاء الرحلات الداخلية القصيرة، التي يمكن الاستعاضة عنها باستخدام القطار الأقل تلويثاً، وهذا لم يحصل حتى الآن. وحين تتحدث الولايات المتحدة عن نيتها القيام بكل ما يلزم للحدّ من الانبعاثات وحماية البيئة على المستوى العالمي، يجدر أن تعطي أمثولة بضبط الأنماط الاستهلاكية في الداخل، التي تنتج عنها أعلى مستويات الانبعاثات الكربونية على مستوى الفرد في العالم.

سنة 2021 ستكون فرصة وامتحاناً لتحويل النيات إلى أفعال.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات