كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
وداعاً لزمن الطقس المعتاد

نجيب صعب، كانون الثاني 2021

لن نسمع بعد الآن مذيع نشرة الطقس يقارن درجة الحرارة المسجّلة اليوم بدرجة الحرارة "المعتادة" أو "الطبيعية"، بعدما تغيَّر كلّ ما كان يُعتبر معتاداً وطبيعياً إلى غير رجعة. وكما فرض فيروس "كورونا" المستجد عادات شخصية واجتماعية أصبحت تشكّل الوضع "الطبيعي الجديد" أو "المستجدّ"، أدّى التغيُّر المناخي إلى نشوء واقع طقسيّ لا يمكن مقارنته مع غيره بسهولة، لأنه يتبدّل باستمرار، مما يجعل تحديد صفات الاعتيادي والطبيعي مهمة شبه مستحيلة.

حقق العقد الذي انتهى عام 2020 الرقم القياسي في معدّلات الحرارة العالمية. وكانت السنوات الست الأخيرة منه الأعلى حرارة على الإطلاق، منذ بدأ التسجيل. وبينما كانت معدّلات الحرارة العالمية تسجّل رقماً قياسياً كلّ 13.5 سنة بين عامي 1900 و1980، قصرت المدّة إلى 3 سنوات ابتداء من عام 1981. ويعود هذا الارتفاع السريع والكبير في الحرارة إلى النشاطات الإنسانية التي تتسبب بازدياد الانبعاثات الكربونية. وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة بعض أضخم الكوارث الناجمة عن الارتفاع الكبير والمتسارع في معدلات الحرارة، من الأعاصير إلى حرائق الغابات والجفاف والفيضانات وموجات الحرّ المتطرّفة، وصولاً إلى بداية انتشار أمراض جديدة في مناطق لم تكن تصل إليها سابقاً.

وقد أدّى ارتفاع الحرارة إلى نشوء عادات وممارسات جديدة في كثير من الدول. ففي حين كانت مكيّفات تبريد الهواء نادرة في السيارات الأوروبية قبل ثلاثين عاماً، أصبحت في السنوات العشر الأخيرة جزءاً من التجهيزات الاعتيادية للسيارات المباعة في أسواق دول أوروبا. أما تبريد الهواء في المنازل، فقد بدأ أخيراً ينتشر في أوروبا، ولم يعد يُعتبر ضرباً من الرفاهية، بل حاجة عادية، خاصة في المنازل التي يسكنها كبار السن. وكان هذا نتيجة لازدياد عدد الأيام ذات الحرارة المرتفعة وتمدّدها خارج شهور فصل الصيف.

وقد أصبح ارتفاع درجات الحرارة من سمات فصل الشتاء الأوروبي في السنوات الأخيرة، مع تراجع أيام الجليد إلى النصف في بعض البلدان. فبينما كانت الحرارة في هولندا، مثلاً، تنخفض إلى ما تحت الصفر على امتداد 80 يوماً في السنة قبل 50 عاماً، انحصر الجليد خلال السنوات العشر الأخيرة الى ما بين 40- 50 يوماً أو أقل، وعلى فترات متقطعة. وإذ يستمر الانخفاض في هطول الثلوج على الجبال الأوروبية وتَقصر مدّة بقائها بسبب ارتفاع الحرارة، تتحضّر بلدان معروفة بمنتجعاتها الشتوية، مثل سويسرا وإيطاليا والنمسا، لمواسم تزلّج أقصر، بالعمل على تطوير نشاطات سياحية ورياضية بديلة. كما تَستخدم منتجعات التزلُّج الكبرى تقنيات إنتاج الثلج الاصطناعي ونشره على المدارج لتطويل الموسم.

لن يكون العقد الذي مضى خاتمة الأحزان في ارتفاع درجات الحرارة والتأثيرات الكارثية الناجمة عنه. فالمناخ مستمر في التغيُّر نحو الأسوأ، على الأقل في السنوات الخمسين المقبلة. أما كم سيبلغ الحدّ الأقصى لدرجات الحرارة، فهذا سيتوقف على سرعة الاجراءات لخفض الانبعاثات الكربونية. وبالتالي، لن يكون هذا هو العقد الأخير الذي نسمع فيه عبارات مثل "غير مسبوق" و"للمرة الأولى" و"الأعلى" و"الأدنى".

حتى لو نجح العالم في تنفيذ جميع الاجراءات المطلوبة للحدّ من تغيُّر المناخ، فلن تنخفض درجات الحرارة، بالتأكيد، عما وصلت إليه اليوم. ولكن ليس مكتوباً على البشرية الاختيار بين الموت من الحرّ أو المساهمة في زيادة الانبعاثات الكربونية. الحلّ في اعتماد تقنيات وتدابير تؤدي إلى تعديل الحرارة في أماكن السكن والعمل ووسائل النقل، بالتوازي مع تخفيض الانبعاثات الكربونية أو إلغائها كلياً. ولما كان الاعتماد التام على مكيّفات الهواء التقليدية يؤدي الى ازدياد الانبعاثات الكربونية، وبالتالي استمرار ارتفاع الحرارة والدوران في حلقة مفرغة، فلا بد من حلول بديلة.

العمل السليم على التأقلم مع الحرارة المرتفعة يبدأ من تحسين المواصفات الحرارية في المباني باستخدام مواد عازلة، وتحديد الاتجاه الملائم للمبنى بالنسبة إلى الشمس والرياح. وإذ لن يكون متاحاً في معظم الحالات الاستغناء عن التبريد الميكانيكي لخفض درجات الحرارة، يمكن استبدال المكيفات التقليدية بأخرى تعتمد تقنية المضخة الحرارية. هذا النوع من المضخات يقوم على مبدأ التبادل الحراري. وهو يستفيد - لتبريد الأبنية أو تدفئتها - من الفرق بين الحرارة الداخلية والخارجية وحرارة جوف الأرض. والانبعاثات الكربونية الناجمة عن هذه الأجهزة شبه معدومة، خاصة حين تستخدم كهرباء من مصادر نظيفة أو متجددة.

ولما كان تبريد السيارات بالتقنيات التقليدية يزيد أيضاً من الانبعاثات الكربونية، وبالتالي من درجات الحرارة، فالحل هنا هو في تسريع الانتقال الى السيارات الكهربائية في مرحلة أولى، بالتوازي مع تعزيز النقل العام وتخطيط المدن بما يقلل الحاجة إلى استخدام السيارات الخاصة.

لن يكون هناك "طقس معتاد" في السنوات المقبلة. لذا لا بدّ من الاستعداد للتأقلم مع الجديد غير الاعتيادي، وتخفيف حدّته بأفضل الأساليب.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات