كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
الغابات ضحية المناخ والإهمال

 

نجيب صعب، تشرين الثاني 2020
مع بداية موسم حرائق الغابات، يتجدد كل سنة الحديث عن مؤامرات من أعداء مجهولين للقضاء على الثروة الحرجية وضرب الاقتصاد الوطني. نظرية المؤامرة هي التبرير السهل الذي يستخدمه المسؤولون لإبعاد شبهة الإخفاق والتقصير. وإذا كان اهتمامنا الأساسي الحرائق غير المسبوقة التي تجتاح غابات لبنان وسورية هذا الشهر، فنظرية المؤامرة لتبرير الحرائق استخدمها أيضاً الحكّام في أماكن عِدّة حول العالم، من اليونان إلى الولايات المتحدة وأوستراليا، للتملُّص من المسؤولية.
وإذا كانت حرائق الغابات الناجمة عن عوامل طبيعية تُعتَبر جزءاً من النظام الإيكولوجي، لمساهمتها في الحفاظ على توازن مكوّنات الطبيعة وتجديدها، فالمدى الذي بلغته اليوم، من حيث حدّتها وطول مدّتها والمناطق الجديدة التي وصلت إليها، يحمل مؤشّرات خطيرة. ويكفي لتقدير المخاطر أن نشير إلى أن حرائق الغابات في أوستراليا، مثلاً، تصيب أكثر من 50 مليون هكتار سنوياً، أي نحو نصف مليون كيلومتر مربع، مما يوازي 50 ضعف مساحة لبنان و3 أضعاف كامل مساحة سورية، وليس غابات البلدين فقط.
الخطير اليوم أن الحرائق تتضاعف قوّةً وعدداً، وتستغرق فترات أطول، وتضرب في أوقات متكررة، بعدما كانت محصورة في فصل محدَّد. وهي تصيب مناطق مأهولة، مدمّرة آلاف المنازل. هذا الصيف فقط قضت حرائق أوستراليا على 3 مليارات من الحيوانات البرية وقتلت مئات البشر وهجَّرت عشرات الآلاف من منازلهم. صحيح أن الحرائق أقسى وأطول بسبب التغيُّر المناخي، لكن النشاطات الإنسانية كانت السبب في تضخيم الكثير من الأضرار. وفي طليعة الممارسات الخاطئة التمدد العمراني إلى الغابات، الذي يشكّل خطراً على الطبيعة والبشر في الوقت نفسه. ففي حين يتسبب الناس بإطلاق شرارات الحرائق، غالباً عن غير قصد، نجد أن الحرائق تدمِّر المنازل والبنى التحتية والمزارع والمصانع وتقتل الإنسان والحيوان.
وُصفت الحرائق التي ضربت الغابات السورية هذا الشهر بأنها الأكبر على مرّ السنين، وهي قضت على آلاف الهكتارات في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص. وفي لبنان، وصلت مساحة الغابات المحترقة إلى 2000 هكتار، ومن المتوقَّع أن تتجاوز 3000 هكتار مع نهاية موسم الحرائق خلال شهرين، وهو الحدّ الذي بلغته العام الماضي، مقارنة بمعدَّل سنوي لم يكن يتعدّى الألف هكتار خلال العقود السابقة.
"سورية تحترق" و"جهنّم الحرائق تحاصر اللبنانيين" أوصاف معبّرة جاءت في عناوين الصحف المحلية. غير أن حرائق العام الماضي لم تكن أقل أثراً، والتقصير في التصدّي لها كان مشابهاً. الفارق هذه السنة أن الحرائق تتزامن مع وضع اقتصادي ومعيشي يزداد تفاقماً في البلدين. وهذا يتسبب بضغط مضاعف على الناس، الذين يخسرون بيوتهم وأرزاقهم، وتتوقف قدرتهم على استعمال أراضيهم للإنتاج الغذائي لفترات طويلة.
وفيما عمدت بعض الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة وأوستراليا واليونان إلى اتّهام أشخاص مختلّين عقلياً بافتعال عدد من الحرائق عمداً، فقد تجاوزت نظرية المؤامرة في سورية ولبنان هذه الحدود. ذلك أن "مجموعات إرهابية" اتُّهمَت بافتعال حرائق الغابات في سورية، ووجّه أحد النّواب اللبنانيين الاتهام إلى عدوّه السياسي بافتعال الحرائق للقضاء على الغابات وتوتير الأوضاع في مناطق تسكنها غالبية من طائفة أخرى. ولا شك أن الاتهام بإشعال حرائق الغابات عمداً، كوقود في حرب طائفية، يمثل حالة غير مسبوقة من العقم الفكري والسياسي.
تحصل حرائق الغابات حين تكون الطبقة العليا للغطاء النباتي الأخضر والتراب في حالة جفاف، ما يجعلها جاهزة لالتقاط شرارة وتحويلها إلى حريق. وفي حين تتسبب الصواعق الجوية بإطلاق شرارات حرائق الغابات في كثير من مناطق العالم، فالسبب الأول في منطقتنا العربية هو شرارة يطلقها إنسان. وهذا يحصل غالباً عن غير قصد، مثل حرق الأعشاب بعد جمعها بهدف تنظيف الأراضي، أو إشعال النار في موقع خلال نزهة في الطبيعة وعدم إطفائه جيّداً، أو حرق النفايات بالقرب من الغابات، أو ببساطة رمي عقب سيجارة مشتعلة على أعشاب جافة. الأراضي التي تم تنظيفها من الأعشاب اليابسة لا تلتقط النار بسهولة. لذا تمتد الحرائق إلى الأراضي المهملة، فتتلقى الطبقة السطحية الجافة الشرارة، وتمتد منها إلى الطبقة الرطبة تحتها حيث يتجمع غاز "الميثان"، الذي يسبب احتراقه انفجارات تزيد من انتشار النار وحدّتها. لهذا تعتبر نهاية الصيف وبداية الخريف الفترة الأخطر لحرائق الغابات، إذ تجتمع عناصر الجفاف السطحي وغاز "الميثان"، المتولَّد من الرطوبة في الطبقة السفلى عقب بدايات تساقط المطر.
في منطقتنا كما في جميع أنحاء العالم، ستزداد حرائق الغابات حدّة وتكراراً بسبب التغيُّر المناخي، الذي نعيش فصوله اليوم وعلينا التعايش مع آثاره في المستقبل. والمواجهة تكون من خلال قوانين متكاملة وواضحة وحازمة لإدارة الغابات، مع فرض تطبيقها بشدّة عن طريق عقوبات رادعة، وإنشاء أجهزة وطنية لإدارة الكوارث، مزوّدة بالمعدّات الضرورية والتدريب، استناداً إلى خطط متناسقة. لكن هذا كله سيبقى قاصراً عن تحقيق نتائج ملموسة ما لم يترافق مع خطة لتنمية الأرياف، بحيث يعود الناس إلى الاعتناء بأراضيهم. وقد أظهرت صور جوّية للحرائق في غابات لبنان أنها تركّزت في الأراضي المهملة ولم تتمدّد إلى الأراضي التي تم تنظيفها من الأعشاب والعناية بها.
لا شك أن بعض الحرائق مفتعلة، بهدف جمع الحطب للتدفئة شتاءً أو تفريغ الأراضي للاستغلال العمراني، وهذه يمكن إيقافها بتوفير وقود التدفئة بكلفة مناسبة وتطبيق حازم للقانون. لكن لن يمكن إيقاف حرائق الغابات برمي المسؤوليات على الإرهاب وصراع الطوائف، بل بالتنمية الريفية الشاملة، والإدارة الرشيدة للثروة الحرجية، وخطة للكوارث مدعومة بتجهيزات حديثة وفرق بشريّة مدرَّبة.
المؤامرة الحقيقية هي الإهمال وسوء إدارة الغابات. أما اتهام الإرهاب وصراع الطوائف فذرٌّ للرماد في العيون.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات