كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
«الصفقة الخضراء» للبيئة والمناخ

نجيب صعب، أيار 2020

إنعقاد «حوار بطرسبرغ المناخي» في دورته الحادية عشرة كان مناسبة لتجديد الاتحاد الأوروبي التزامه ببرنامج طَموح، من خلال «الصفقة الأوروبية الخضراء»، للتحوّل نحو اقتصاد صديق للبيئة. وعدا عن محتوى النقاشات، يكتسب الحدث أهمية استثنائية من توقيته. فرغم التحدّيات الصحّية والاقتصادية غير المسبوقة، أوجد بعض أبرز القادة فسحة للبحث في رعاية البيئة كعامل استقرار اقتصادي واجتماعي.

«الصفقة الخضراء»، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2019، تُعتبر أول خطة رسمية إقليمية شاملة في العالم لتحقيق التنمية المستدامة. المرحلة الأولى تمتد عشر سنوات، بكلفة مئة مليار يورو سنوياً، لتمويل نشاطات وبرامج تؤدي إلى تخفيض انبعاثات الكربون إلى النصف بحلول سنة 2030. أما المرحلة الثانية فتهدف إلى تحقيق اقتصاد خالٍ كلياً من الانبعاثات المسببة لتغيُّر المناخ قبل منتصف القرن.

اعتبرت المفوضية الأوروبية أن تغيُّر المناخ والتدهور البيئي يمثلان تهديداً كيانيّاً لأوروبا والعالم كله. وهذا يستدعي استراتيجية جديدة للنمو، تُحوّل دول الاتحاد الأوروبي إلى اقتصاد يعتمد على كفاءة استخدام الموارد لتعزيز قدرته التنافسية. لهذا صُمِّمت «الصفقة الخضراء» كخريطة طريق إلى اقتصاد متوازن ومستقرّ، يقوم على تحويل تحديات البيئة والمناخ إلى فرص بدلاً من التعامل معها كعقبات. وهذا يتطلب تعديلاً في السياسات العامة، وإشراك جميع القطاعات في عملية التغيير. لكن تحقيق نتائج يحتاج إلى قوانين قابلة للتطبيق، تُحوّل الالتزام السياسي إلى إلزام قانوني، مما يشجّع الاستثمارات في الاتجاه الصحيح ويحميها.

القوانين الملائمة يمكن أن تحفّز على الاستثمار في تكنولوجيات صديقة للبيئة، وتدعم الابتكار في المجال الصناعي وتطوير وسائل أنظف وأرخص للنقل العام والخاص، وأن تسرّع التحوُّل إلى الطاقة النظيفة والأبنية الكفوءة في استهلاك الطاقة والمياه. وتخصص الخطة الأوروبية دعماً مالياً وتقنيّاً للأفراد وقطاعات الأعمال والسلطات المحلية لمساعدتها على التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر. وفي المحصلة، تسعى «الصفقة الخضراء» إلى تأسيس «اقتصاد دائري» يقوم على كفاءة استخدام الموارد وإعادة إنتاجها، واستعادة التنوّع البيولوجي، والحفاظ على التوازن بين عناصر الطبيعة، ووضع حدّ للتلوّث.

عند الإعلان عن الخطة الأوروبية قبل شهور، اعتبرتها بعض المجموعات البيئية قاصرة عن تحقيق الأهداف الطموحة التي وضعتها. وقارن هؤلاء بين التريليون يورو الذي خُصّص لها لعشر سنوات، ومبلغ 1.6 تريليون يورو الذي دفعته الحكومات الأوروبية لإنقاذ المصارف المتعثّرة بين عامي 2009 و2013، معتبرين أن القيمة المخصصة للمناخ ضئيلة. لكن المقارنة هنا غير صائبة تماماً، لأن الحكومات استحوذت على حصص في المصارف لقاء الأموال التي ضختها، عدا عن أن مساهمة الحكومات في تمويل «الصفقة الخضراء» ستستقطب أضعاف قيمتها من القطاع الخاص. وهذا القطاع ستشجّعه القوانين على وضع أمواله في مشاريع وبرامج ذات حوافز وضمانات.

لقد أثبتت التجربة أن القوانين هي التي تحرّك الأسواق. فالحوافز الضريبية على السيارات الكهربائية، وإعلان بعض المدن الأوروبية منع دخول السيارات التي تعمل بمحركات الوقود خلال 10-20 سنة، ضاعف مبيعات السيارات الكهربائية في دول مثل هولندا والنروج. ومنع استعمال الغاز للتدفئة وتسخين المياه في الأبنية الجديدة، فتح السوق للمضخات الحرارية التي تعمل على التبادل الحراري في الطبقات الجوفية. ورفع الدعم عن الوقود وأسعار الكهرباء فتح الأسواق للقطاعات العاملة في كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة. وكل هذا ساعد في خلق ملايين فرص العمل.

ليست أهداف «الصفقة الأوروبية الخضراء» بالأهداف الجديدة. لكن تجديد الالتزام بها، في هذا الوقت بالذات، رسالة قوية تعلِن أن هناك من يتعلم الدروس ويخطط لمستقبل يستفيد من أخطاء الماضي. وما يضاعف من أهمية تأكيد الالتزام الأوروبي أنه أُطلق في مؤتمر عالمي مخصص للتغيُّر المناخي، استضافته ألمانيا بمشاركة بريطانيا، وهي الرئيس الحالي لقمة المناخ المؤجّلة، التي كانت مقررة في غلاسكو نهاية هذه السنة. والدولتان هما الأكبر اقتصادياً في أوروبا. وكانت ألمانيا أطلقت «حوار بطرسبرغ المناخي» عام 2010، عقب قمة المناخ في كوبنهاغن، بهدف مواصلة المباحثات لتسريع الاتفاق على خطة عالمية مشتركة تتصدى لتغيُّر المناخ وتحشد الدعم لتقوية مقررات المؤتمرات الدولية وتفعيلها. إجتماع هذه السنة حصل عبر الإنترنت، وشارك فيه، على مدى يومين، 30 وزيراً وعشرات من رؤساء المنظمات الدولية والإقليمية. وكان بين المشاركين وزير التغيُّر المناخي والبيئة الإماراتي الدكتور ثاني الزيودي. مجرّد انعقاد الحوار وحجم المشاركة، رغم حالة الحجر العالمية، أثبتا أن التغيُّر المناخي ما يزال في الأولويات. وكانت رسالة القادة المجتمعين واضحة، وهي أن تأجيل قمة المناخ هذه السنة لا يعني تأجيل العمل لتحقيق أهدافها. كما كان التوجُّه صريحاً أن الدعم المالي لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار يجب ألّا يذهب إلى الصناعات الملوِّثة.

الجميع يطالب اليوم بالعودة إلى «الوضع الطبيعي». لكن هذا لا يعني العودة إلى الأنماط الإنتاجية والاستهلاكية المتوحشة، التي لم تُنتج غير الكوارث وأوصلت العالم إلى حافة الإنهيار. دعوة أركان «الحوار المناخي» كانت العودة إلى الطبيعة، من خلال احترام توازناتها والاستثمار في اقتصاد يوزّع الثروة بعدالة على الجميع، ولا يسرق حقّ الأجيال المقبلة تحت غطاء إنقاذ الاقتصاد. وقد أعطت فرنسا هذا الأسبوع الإشارة العملية الأولى في هذا الاتجاه، عندما فرضت على شركة «إير فرانس»، مقابل المليارات التي قدمتها لها لإنقاذها من الإفلاس، إلغاء كل الرحلات الجوية التي يمكن استبدالها برحلات في القطار تقل عن ساعتين ونصف، وذلك لخفض الانبعاثات. كما أعلنت الحكومة البريطانية أن دعمها لأي شركة سيكون مشروطاً بتخفيض مساهمة نشاطاتها في التغير المناخي.

التفلت الانتاجي والاستهلاكي المتحرر من أي قيود ليس بالوضع الطبيعي، ولذا ليس مطلوباً العودة إليه.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات