كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
السعودية على طريق النمو الأخضر

 

السعودية على طريق النمو الأخضر
نجيب صعب، 27 أيار (مايو) 2019

 

ليس غريباً أن يكون الاقتصاد الأخضر موضع نقاش جدي اليوم في المملكة العربية السعودية. فخطة النهوض الوطني، "رؤية 2030"، تحمل في طياتها كلّ عناصر الاقتصاد المستدام، الذي يقوم على استثمار عائدات موارد الطبيعة ومنتجاتها، من دون استنزاف رأس المال. لكن أن تدعو مؤسسة سعودية مختصة بالبترول إلى بحث سبل الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، فهذا أمر غير مسبوق، يدلّ على عمق التحوّل في النظرة إلى المستقبل.

"مسارات النمو الأخضر للسعودية" كان موضوع ورشة عمل استضافها مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية في الرياض. كان في الاجتماع ضيوف من الخارج، ذوو خبرة في الموضوع. لكن معظم المشاركين كانوا سعوديين، متوسط أعمارهم تحت الأربعين، من مسؤولي وزارات ورؤساء شركات وأساتذة جامعات. وإذا كان البعض ينتظر أن تقتصر الحماسة الرسمية للنمو الأخضر على وزارة الاقتصاد والتخطيط، فقد فوجئوا أن حماسة مسؤولي الوزارات والشركات المسؤولة عن قطاعات الطاقة والنفط والصناعة لم تكن أقل. فالمركز المضيف مختص أساساً بالدراسات البترولية، ومسؤولوه يدركون أن البحث في سبل النمو الأخضر ضروري لاستمرار الاستفادة من البترول، على الوجه الأفضل ولأطول مدة ممكنة. وأكد قادة القطاع البترولي الشباب ضرورة استثمار دخل النفط لبناء مجتمع المعرفة والتكنولوجيا وتنويع الاقتصاد.

العالم يتغيّر، ولا بدّ من أن نتغيّر معه. فحين تعلن عواصم مثل أمستردام وباريس ولندن أنها ستقفل شوارعها في وجه السيارات العاملة على الوقود، خلال فترة لا تتجاوز العشرين سنة، حفاظاً على صحة الناس من تلوث الهواء، فلا بدّ للدول المنتجة للنفط من أن تأخذ الأمر على محمل الجدّ. الأكيد أن هذه الظاهرة قد تعم كل العالم قبل سنة 2050، وأنها ستزداد مع تصاعد وتيرة التدابير لخفض الانبعاثات الكربونية المسببة لتغيّر المناخ.

التغيير لن يحصل بين ليلة وضحاها، إذ سيبقى البترول عنصراً رئيسياً في مزيج الطاقة لعقود آتية، ليس للسيارات فقط، بل للطائرات والبواخر العملاقة، التي تحتاج إلى وقت أطول لتطوير أنظمة محركات جديدة لها، تعتمد على الهيدروجين مثلاً. وستبقى للبترول دائماً استخدامات كبيرة خارج نطاق الطاقة، لإنتاج مواد مفيدة لا حدود لها. فهل هناك أفضل من مركز مختص بدراسات البترول لبحث هذه التحدّيات؟

أبرز ما في "رؤية 2030" تنويع الاقتصاد، فلا يبقى معتمداً على السلع ذات القيمة المضافة المنخفضة، والسريعة التأثر بتقلّبات السوق العالمية. ولحظت الرؤية عوامل مساعدة لإنجاح عملية تنويع الاقتصاد، أبرزها تنمية القوى البشرية المحلية، وتشجيع الابتكار في مجتمع يقوم على المعرفة، وكفاءة استخدام الموارد الطبيعية.

حين اجتمعنا في الرياض، لم يكن الهدف إقناع أحد بأهمية اعتماد مبادئ النمو الأخضر. فقد تم اعتمادها بالفعل في "رؤية 2030"، وقدمت المملكة لائحة طموحة بالتزاماتها الوطنية المحددة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، كما للالتزام باتفاقية باريس المناخية لخفض انبعاثات الكربون. فإلى جانب تنويع مزيج الطاقة عن طريق إدخال الطاقات المتجددة بقوة، بدأت السعودية تدابير جدية لترشيد الاستهلاك. فتم إطلاق البرنامج الوطني للكفاءة، وبدأ الإلغاء التدريجي لدعم أسعار الكهرباء والوقود والماء، مع منح حوافز للمستهلك من الشرائح غير الميسورة. وتبيّن من الأرقام التي قُدِّمت في الاجتماع أنّ استهلاك الطاقة انخفض بمعدل 16 في المئة، منذ بدأ تنفيذ برامج الكفاءة وسياسات التسعير الجديدة. وكانت السعودية وضعت معايير صارمة لضبط الانبعاثات من محرّكات السيّارات، وحدّدت مواصفات قياسية لاستهلاك الأجهزة الكهربائية المنزلية. وتم خلال السنة الأخيرة إعادة بعض الشحنات إلى مصادرها، لعدم مطابقتها المواصفات. وسيشكل افتتاح خطوط المترو قريباً في الرياض نقلة نوعية على طريق خفض الانبعاثات من السيّارات الخاصة.

وفي مجال تحسين إدارة المياه والحفاظ على ما تبقّى من مخزون استراتيجي للمياه الجوفية، تم اعتماد تدابير للحدّ من الزراعات الشديدة الاستهلاك للمياه، مثل القمح والأعلاف. وقد يكون مطلوباً الانتقال إلى تدابير لإحياء مخزون المياه الجوفية الذي تم استنزافه، عن طريق ضخّ مياه معالجة في الآبار. كما لا بدّ من معالجة كل قطرة ماء مستعملة، للاستفادة منها في استخدامات متكرّرة.

خلال العمل على تطوير أهداف التنمية، لم تكن السعودية مجرّد متفرج، بل لعبت الدور الأساسي في إدخال محاربة فقر الطاقة إلى جدول الأعمال الدولي. وكان سليمان الحربش، السعودي الذي ترأس صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) لخمس عشرة سنة، أوّل من حمل لواء الدفاع عن حق جميع البشر بالوصول إلى مصادر طاقة حديثة ومأمونة. وقد اتفق الاجتماع الأخير في الرياض على أن التطوّرات التكنولوجية خلال السنوات الأخيرة أصبحت تسمح بإيصال الطاقة إلى الجميع من مصادر نظيفة، أكانت متجدّدة أم تقليدية. ولم يعد مطروحاً اليوم القبول بالتلويث تحت غطاء مساعدة الفقراء.

الاقتصاد الأخضر يوجه الاستثمارات إلى الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، من أجل زيادة مردودها الاقتصادي وخلق الوظائف وإيصال الفوائد إلى الجميع، مع الحفاظ على البيئة والتأكّد من استمرارية الموارد الطبيعية في التجدُّد. ويحتاج تحقيق النمو الأخضر إلى تحوّلات ضرورية في المنطقة العربية، خصوصاً في مجالات أربعة: التحوّل الطاقوي، حيث يتم إنتاج الطاقة بشكل نظيف واستخدامها بكفاءة، مع الحدّ من أثرها السلبي على المشاكل الصحية والمناخية، محلّياً وعالمياً. ويتزامن هذا مع تحوّل اقتصادي يضمن نموّاً مستداماً تصل فوائده إلى كل الناس. كما لا بد من تحوّل في النظرة إلى الموارد، بالاعتماد على "دخل" الطبيعة والتوقف عن استنزاف "رأس المال" الطبيعي. وأخيراً، التحوّل الديموغرافي، وصولاً إلى استقرار سكاني، والاعتماد على القوى المحلية المدرَّبة في سوق العمل.

على المنطقة العربية أن تقوّي قدرتها العلمية والتكنولوجية وتعزز الإمكانات المعرفية لسكانها، للمنافسة بفاعلية في الاقتصاد العالمي وتجنُّب الاضطرابات. وتواجه المنطقة اليوم واحداً من خيارين اقتصاديين: فالاقتصاد "البني" التقليدي يحقق نموّاً قصير الأجل في الناتج المحلي الإجمالي، بالتوازي مع تقليص قيمة "أسهم" رأس المال الاجتماعي والبيئي. أما الاقتصاد "الأخضر" فيوفّر نموّاً متواصلاً بعيد المدى، يقوم على تحفيز التنمية الاقتصادية بالتوازي مع تحسين الأوضاع الاجتماعية والبيئية.

إن الاستثمار في اقتصاد أخضر يؤمن نموّاً متوازناً، ويوفّر الظروف لاستقرار اجتماعي واستدامة بيئية، إلى جانب الازدهار الاقتصادي. اجتماع الرياض يشير إلى أن لدى السعودية النية والخطة والقدرة للسير في هذا الاتجاه. وحين تعقد "مجموعة العشرين" اجتماعها في الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، سيكون لدى السعودية الكثير لتقدّمه، بما يتعدّى مجرّد الاستضافة.

 

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات