حركة الشباب العالمية للمناخ، التي تجتاح العالم منذ شهور، لم يتردد صداها بصوت مسموع في الدول العربية. فقد اقتصرت الاستجابة الخجولة على بيانات عامة صدرت عن أفراد وجمعيات، ينتمون غالباً إلى الجيل الأكبر سناً، ولا يمثلون الصغار والشباب. وعلى الرغم من حسن النية، إلا أن هؤلاء الناشطين البيئيين العرب تصرفوا وكأنهم يريدون ركوب الموجة السائدة فقط، لا أن يشاركوا فيها بطريقة فعالة.
في تبريرهم عدم مشاركة الطلاب العرب في الحركة الاحتجاجية البيئية، قال بعضهم إن التصرف الأفضل يتمثّل في الدعم المعنوي من دون الغياب عن مقاعد الدراسة... علماً أن الإضراب اقتصر على يوم واحد فقط. هذا الموقف يتعارض مع الغرض الفعلي من "الإضراب"، وهو جذْب الانتباه - عن طريق الإخلال بجدول الأعمال الثابت - إلى القضايا التي يتم الدفاع عنها، ووضع جدول أعمال جديد على طاولة الحوار. ولم نسمع أبداً أن طالباً عربياً واجه أحد السياسيين بمطالبته بأداء واجباته تجاه مصلحة الأجيال المقبلة، قبل أن ينصح الطلاب بالقيام بواجباتهم المدرسية، كما حصل بين الطالبة والوزير في أوستراليا.
جاء في عنوان مقال نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، كجزء من اجتماعه السنوي الأخير في دافوس، أن "أفضل سلاح في العالم العربي ضد تغيُّر المناخ هو شبابه". كان المقال يشير إلى "حركة الشباب العربي للمناخ"، التي تم إطلاقها في قطر خلال الأشهر التي سبقت انعقاد الدورة الثامنة عشرة لقمة المناخ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 في الدوحة. ومع ذلك، فمن المدهش أنه، بعد شهرين فقط من نشر المقال، كان هؤلاء الشباب العرب أنفسهم الغائب الأوحد عن حركة عالمية شاملة تدعو إلى العمل من أجل المناخ. وهذا يشير إلى أن العمل الفعلي من أجل البيئة في البلدان العربية لا يتبع دائماً النيّات المعلنة.
عندما انطلقت "حركة الشباب العربي للمناخ" في الدوحة، وصفتها إحدى المقالات بأنها تمثّل "الجيل العربي الجديد الذي سيعصف بالعالم الأخضر". الحماسة العالمية لمثل هذه الحركة في المنطقة العربية مفهومة، خاصة عندما تنشأ في بلد يحتل المركز الأول في قائمة الدول ذات الانبعاثات الكربونية الأعلى للفرد. إلا أن النيّات الحسنة وحدها تبقى قاصرة عن حشد الشباب للقيام بعمل حقيقي من أجل المناخ. ومن المفارقات أن مؤسس المجموعة "القطرية" مواطن هندي يعيش في الدوحة. ولم تتمكن الحركة، في أي وقت، من اجتذاب السكان المحليين، ولا يزال الشاب الهندي يجوب العالم حتى اليوم، ممثلاً قطر، ليتحدث عن الشباب العربي وتغيُّر المناخ. ويُذكر أن "مظاهرة" نظمتها المجموعة في الدوحة، خلال الدورة 18 لقمة المناخ، اقتصرت على بضع عشرات من الأجانب، وبدت كأنها عرض مسرحي على مرأى شبكات التلفزيون الدولية، أكثر من كونها نشاطاً شبابياً فعلياً للتأثير على السياسيين المحليين نحو العمل الجاد. ولم نسمع أن السلطات المحلية التزمت، خلال قمة الدوحة أو بعدها، بأهداف طموحة للانخراط بفعالية في المساعي الدولية لمواجهة تغيُّر المناخ، أكانت خفضاً فعليّاً للانبعاثات، أو مساهمة مرموقة في صندوق المناخ الأخضر، أو اعتماد تدابير مشدّدة لكفاءة الطاقة والمياه، أو إدخال الشمس والرياح بنسبة ملحوظة في مزيج الطاقة. بعد مرور سبع سنوات، ومع إعلان "الحركة" عن وجود فروع لها في 15 بلداً عربياً، لا نرى أية تعبئة فعلية أو نشاط ملموس، فكأنها مخصّصة للاستهلاك الخارجي.
صحيح أن المواطنين العرب، وكذلك الحكومات، باتوا أكثر وعياً للأخطار الناجمة عن تغيُّر المناخ، نظراً إلى أن بلدانهم تعدّ من بين الأكثر تعرضاً لها. لكن بالرغم من توقيع الدول الـ 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية على اتفاقية باريس، ليس هناك حتى اليوم نهج إقليمي متماسك لمعالجة مخاطر تغيُّر المناخ. ومع اعتبار تحديات نقص المياه والأمن الغذائي في المنطقة العربية، التي سوف تتفاقم بسبب تغير المناخ، ينبغي لأي نهج جدي يتم اتباعه أن يرتكز على العلاقة المترابطة بين مثلث الماء والغذاء والطاقة. وهذا يحتّم على صنّاع السياسة العرب إعادة النظر في استراتيجياتهم التنموية بناءً على ذلك.
وكما يشكّل تغيُّر المناخ تحدياً للدول العربية، فهو يفتح أيضاً نوافذ للتغيير. فالإجراءات المطلوبة، على الصعيدين الوطني والإقليمي، للتصدي لآثار تغيُّر المناخ، تُقدِّم فرصة غير مسبوقة لإجراء إصلاحات تشمل السياسات والبرامج التنفيذية، واعتماد الكفاءة في استخدام الموارد ضمن الحدود التي تؤمّن الاستدامة ولا تقتصر على تلبية الحاجات الآنيّة. ولا ريب أن للشباب دوراً كبيراً في الحثّ على التغييرات وتطبيقها. غير أنه لا يمكنهم التأثير إذا لم يتحركوا بدافع ذاتي يتوخى التغيير الفعلي نحو الأفضل، لا مجرّد ركوب موجة عابرة. لكن المهم أن يمسك الشباب العرب مصيرهم بأيديهم، فلا تتحدث باسمهم مجموعات لا تنتمي إلى جيلهم وتفكيرهم. وأذكر أنه زارتني يوماً مجموعة تمثل هيئة عربية تحمل عنوان الشباب والبيئة، وكان متوسط أعمار أفرادها يتجاوز الستين عاماً. فنصحتهم إما بتغيير إسم المجموعة أو تغيير أعضاء إدارتها.
يبقى التحدي الأساسي كيفية تحويل الوعي إلى عمل حقيقي، وكيفية اجتذاب الشباب للعب دور أكبر، في مجتمع يحمي ويشجّع العقول الحرة. فالتغيير الإيجابي لا يمكن أن يتعايش مع الخوف. أما الذين يقللون من أهمية تحديات تغير المناخ، ويبشّرون بإمكانية الانتقال من جنوب الكرة الأرضية، الذي سيزداد حرارة وجفافاً، إلى شمالها، حيث ستعتدل الحرارة مع ذوبان الجليد، فقد يكون على الشباب إرسالهم إلى القطب الشمالي منذ اليوم، لتجنُّب آثارهم الضارة على المجتمع.
|