نجيب صعب، العدد 227، شباط 2017
بعضهم يعتبر حماية الطبيعة والحفاظ على التنوع الحيوي رفاهية لا قدرة للعالم على تحمّلها. لكن الاكتشاف العلمي الأحدث لمعالجة الأورام السرطانية قد يتكفل بتبديل هذا الفهم الخاطئ.
مصدر العلاج، الذي تم الإعلان عنه في جامعة لندن، بكتيريا تم استخراجها من أعماق البحار المظلمة. هذا النوع من البكتيريا خامد وغير فعّال في الظلام الدامس، لكنه يتحول إلى عنصر شديد الفعالية عندما يتعرض للضوء.
علاج الخلايا السرطانية بالأساليب التقليدية، أكانت بالاستئصال الجراحي أم بالأشعة، تؤثر بدرجات متفاوتة على الخلايا المحيطة السليمة، وغالباً ما تفضي إلى مضاعفات جانبية. العلاج الجديد، الذي أثبت فعالية لبعض الأورام حين يتم تشخيص المرض في مراحله الأولى، يقضي على الخلايا المريضة فقط. ويتم تحفيز البكتيريا البحرية "النائمة"، بعد ضخّها في الشرايين المظلمة، بتعريض الخلايا المصابة لأشعة اللايزر بواسطة الألياف الضوئية.
قد يؤدي تطوير هذه التقنية وتعميمها كعلاج معتمد في المستشفيات حول العالم إلى إنقاذ ملايين الأشخاص سنوياً. فلو انحصر وجود تلك البكتيريا في منطقة بحرية تعرضت للردم والخراب والتلوث، لكان العالم خسر فرصة نادرة لتعزيز صحة البشر. هل نعرف ماذا كانت تخبّئ لنا الشعاب التي دمرتها مطامر النفايات على الشواطئ وردم البحار، لتوسيع المساحات المبنية وبناء الجزر الاصطناعية، فكأن الأرض لم تعد تتسع لساكنيها؟
الاندفاع نحو التنمية العقارية بأي ثمن أدى خلال العقود الأخيرة إلى تدمير الكثير من الموارد الطبيعية في المنطقة العربية. وأذكر أنني حين اعترضت لدى مسؤول كبير على ردم البحر، أجابني: "ما المشكلة؟ نربح مساحة إضافية من الشاطئ للبناء، والبحر واسع بما فيه الكفاية". ولا أنسى كيف أن وزيراً للبيئة اعترض على مشروع لإنقاذ البحر الميت من الجفاف، مبرراً موقفه بالقول: "إنه ميت في كل حال، فلماذا إضاعة الوقت لمحاولة إنقاذه؟"
تقدَّر الأنواع الحية الموجودة في العالم بنحو عشرة ملايين، ولكن ما تم تصنيفه منها حتى اليوم لا يتجاوز المليونين. ومع أن الحفاظ على هذه الكائنات أساسي للتوازن الطبيعي، فإن العالم يخسر عشرات آلاف الأنواع سنوياً بسبب النشاطات البشرية العشوائية.
لا تقتصر الموارد الطبيعية على الكائنات الحية، كما لا تنحصر فوائدها في الطب. فالتنمية عموماً تقوم على استثمار موارد الطبيعة؛ واستنزاف الموارد على نحو غير متوازن يؤدي في النهاية إلى خسارة العناصر الأساسية للتنمية نفسها. تحضرني هنا قصة الرجل الذي حصل على دجاجة تعطيه بيضة ذهبية واحدة كل يوم؛ وعندما شق بطنها طمعاً بالحصول على كثير من البيض الذهبي دفعة واحدة، خسر كل شيء. الطبيعة أيضاً تحتاج إلى وقت محدد وظروف ملائمة لإعادة إنتاج مواردها، وإذا استنزفناها خسرنا كل خدماتها وإيراداتها.
بعد الهدر المتوحش للموارد الطبيعية، طمعاً بالربح السريع وتحقيق النمو الرقمي على حساب نوعية الحياة، تواجه البشرية اليوم التحدي الأكبر المتمثل في تغيّر المناخ. ارتفاع معدلات الحرارة العالمية سيؤدي إلى انقراض أنواع حية في البحر والبرّ، وخسارة أراض صالحة للزراعة والصناعة والسكن بسبب الحر والجفاف وارتفاع البحار، وانهيار التوازن الطبيعي.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ عهده بسلسلة تدابير لمدّ أنابيب النفط والغاز والحفر في مواقع حساسة بيئياً، برّاً وبحراً. ومواقفه بشأن تغيّر المناخ تناقض الاجماع العلمي كما الالتزام السياسي الدولي. إنها مرحلة عابرة لن تغيّر مجرى التاريخ، لأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء. فحذار إضاعة الوقت بالوقوع في خدعة جديدة.
إصرار ترامب على استنزاف الموارد الطبيعية بحجة استثمارها لمصلحة الناس، كمثل الذي ينحر الدجاجة التي تبيض ذهباً.
|