نجيب صعب، العدد 226، كانون الثاني 2017
تواجه خطط التنمية في عالمنا العربي عقبات عدة، قد يكون أهمها عدم الاستمرارية. فكل تغيير في تركيبة الحكومة أو الحكم يؤدي إلى إعادة النظر في السياسات السابقة، واعتماد خطط جديدة قد تكون مناقضة كلياً. ومن مظاهر سوء المتابعة ضعف التمثيل الوطني في الاجتماعات الإقليمية والدولية، وتبديل ممثلي الدول من دون إعداد كافٍ للملفات.
كان موضوع الإنتاج والاستهلاك المستدام بنداً على جدول أعمال اجتماع إقليمي دوري رفيع المستوى. فعلّق رئيس أحد الوفود أنه لم يسمع بهذا الموضوع من قبل، مستدركاً أنه يحضر الاجتماع للمرة الأولى. التبديل الدوري لأعضاء الوفود أمر طبيعي. ولكن من المستحسن أن يتم التبديل على مراحل، فيكون رئيس الوفد واحداً ممن حضروا جلسة سابقة على الأقل. وفي جميع الحالات، على الوفود الإلمام بالمواضيع المطروحة وإعداد ملاحظاتها مسبقاً على جدول الأعمال. في غياب التحضير الكافي، تتحول الاجتماعات إلى نقاشات عبثية لإعادة تفسير الكلمات والتعابير، في تكرار لما تم بحثه في الاجتماع نفسه قبل سنوات طويلة. فإما أن المتحدث لم يكن حاضراً في حينه، أو لم يتم إعداده لمهمته الجديدة، أو أنه نسي الماضي.
وتخال أن الزمن توقف منذ ثلاثين عاماً حين تستمع إلى متحدث يكرر سرد مشاكل البيئة العربية، وهي نفسها التي سردها الذين سبقوه عشرات المرات، من دون أية محاولة لتبيان ماذا تغير في ثلاثين سنة. فهل تحسنت نوعية الهواء أو ازدادت امدادات المياه أو تقدمت إدارة النفايات أو تضاعف إنتاج الغذاء؟ المطلوب مسح التغيّرات لاستخلاص العبر وتحسين الخطط، وليس تكرار المشاكل.
طُرح على النقاش في اجتماع إقليمي آخر موضوع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتحديات التي تواجه الدول العربية في هذا المجال. فطلب أحد المشاركين حصر البحث في "البيئة" فقط، لأن البعدين الاقتصادي والاجتماعي خارج موضوع الاجتماع. وبدلاً من البحث في سبل لمواجهة التحديات الحقيقية، تحوّل الحديث إلى جدل حول علاقة البيئة بالتنمية. وكان لا بد من التذكير بأن حتمية الاهتمام بالاعتبارات البيئية وحسن إدارة الموارد كانت المحرّك لنشوء مفهوم "التنمية المستدامة"، التي تدمج الاعتبارات البيئية والاقتصادية والاجتماعية في بوتقة متكاملة. والهدف من هذا ترشيد استخدام الموارد الطبيعية بما يؤمن نوعية حياة جيدة للأجيال الحاضرة ويحفظ هذا الحق للأجيال المقبلة.
أُنشئت منذ سنوات، في نطاق جامعة الدول العربية، "اللجنة المشتركة للبيئة والتنمية في الوطن العربي"، وكان يمكن أن توفر الإطار الصحيح لمتابعة سياسات التنمية المستدامة. كان المفترض أن تضم هذه اللجنة ممثلين عن وزارات التخطيط والمال والشؤون الاجتماعية، إلى جانب البيئة. لكنها في الواقع اقتصرت على البيئة، ولم تنجح في استقطاب الآخرين.
أية هيئة يتم انشاؤها على المستوى الإقليمي تدخل في فراغ ما لم تكن مدعومة على المستوى الوطني. من هنا ضرورة إنشاء لجنة تنسيق وطنية للتنمية المستدامة، برئاسة أعلى مسؤول تنفيذي في الدولة، تضم جميع الوزارات المعنية، خاصة البيئة والتخطيط والمال. تضع هذه اللجنة الخطوط العريضة للسياسات الوطنية المعنية بالتنمية المستدامة، وتنسّق بالتالي المشاركة في الاجتماعات الإقليمية والدولية ذات الصلة. ولوزارة البيئة الدور المحوري في هذا المجال.
لكن الاستمرارية وحسن التحضير والدراسة الوافية للملفات تبقى العناصر الأساسية لخوض مفاوضات تقود إلى نتيجة ولا تعود دائماً إلى نقطة الصفر.
|