نجيب صعب، العدد 100/101، تموز/آب 2006
الفكرة التي بدأت ملتقى لمشتركي ''البيئة والتنمية'' قبل خمس سنوات، تحولت إلى ملتقى بيئي لكل العرب في عيد المجلة العاشر. ''المنتدى العربي للبيئة والتنمية'' منظمة اقليمية مقرها بيروت، يلتقي فيها المجتمع الأهلي البيئي والأفراد والقطاع الخاص، من أجل عمل مشترك يساهم في وضع العالم العربي على خريطة المستقبل.
لم يكن أفضل من ''مؤتمر الرأي العام العربي والبيئة'' مناسبة للاعلان عن المنتدى. فهو أساساً استجابة لهموم الناس الذين يحركهم قلق المستقبل. وهو محاولة لتحويل القلق إلى فكر وبرامج، تطلق الحياة في العمل البيئي العربي. حتى اليوم، كنا نكتفي بتقارير بيئية تصدر من جنيف أو لندن أو واشنطن، تعرض حالنا وتصنّف أوضاعنا، فتتحول بلداننا إلى أرقام في جداول، وغالباً في مؤخرها. ونادراً ما يكون بين معدّي هذه التقارير ممثلون عن الدول العربية، علماء وخبراء ومؤسسات.
المنتدى العربي للبيئة والتنمية سيصدر تقريره الدوري عن وضع البيئة، من وجهة نظر أهلية عربية، فيكون للناس رأيهم في السياسات البيئية ويتحملون مسؤولياتهم في رعاية البيئة. وسيعمل المنتدى على اطلاق حوار لبلورة القضايا البيئية المشتركة في اطار علمي، بما يساعد في وضع الخطط والبرامج، ليكون هذا المنبر البيئي الأهلي العربي مؤثراً وفعالاً، على المستوى الاقليمي كما في المحافل الدولية. فلماذا نسمح بأن يقرر غيرنا مستقبلنا في غيابنا بعد اليوم؟ ولماذا نستمر بالشعور بعقدة نقص تجاه كل تقرير يصدر في الخارج؟
سيعمل المنتدى مع الخبراء ومراكز الأبحاث والجامعات. ويسعى الى تشجيع رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية العربية للتعاون في تحقيق سوق مشتركة للمنتجات الصديقة للبيئة وتوحيد المقاييس، لتسهيل احتلال المجموعة العربية مركزاً لائقاً في السوق العالمية الجديدة.
ويركز المنتدى على التربية والتوعية والتدريب. فغالبية المشاركين في الاستطلاع البيئي اعتبروا ضعف الوعي البيئي من أبرز أسباب التدهور.
واستجابة لآراء الجمهور أيضاً، الذي اعتبر عدم الالتزام بالتشريعات والقوانين المسبب الرئيسي لتراجع أحوال البيئة، سيشجع المنتدى على تطوير قوانين بيئية تستجيب لحاجات العصر وقابلة للتطبيق، ووضع الآليات الفعالة لتنفيذها.
هل ينجح المنتدى العربي للبيئة والنتمية في تحقيق هذه الأهداف الكبيرة؟ هذا ما سيجيب عنه المستقبل. لكن الأكيد أن المنتدى يبعث روحاً جديدة في العمل العربي. فهيئته التأسيسية تجمع عشرة أفراد من ثماني دول عربية، جميعهم مهتمون بالبيئة، لكنهم متنوعون بين العالم والخبير والأستاذ الجامعي والسياسي والنائب والصحافي ورجل الأعمال. وتتراوح أعمار مجلس الأمناء بين 36 و84 سنة، مما سيساعد في نقل الخبرات من جيل إلى جيل. وكل واحد منهم يملك سجلاً حافلاً من الانجازات. فبينهم الأب الشرعي للمفاهيم البيئية المعاصرة والاتفاقيات الدولية، ومؤسس أنجح صندوق دولي للتنمية الريفية، ورائد برامج التعاون للصحة البيئية، والسياسي التربوي العالم، والمستشار الدولي في الادارة البيئية، ورجل الأعمال الذي بنى نجاحه على الالتزام الاجتماعي. وتعبيراً عن اهتمامه الجدي بالتعاون الاقليمي والدولي، عقد المنتدى وهو قيد التأسيس اتفاقي تعاون مع جامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. ودعا إلى حضور اجتماعه التأسيسي بصفة ضيفين أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالرحمن العطية ومدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية سليمان الحربش.
أستاذنا الدكتور محمد القصاص، العالم المصري الكبير، كان وراء اقتراح اطلاق المنتدى، بعد التحضير الكافي له، في مؤتمر عام يقام في العيد العاشر لمجلة ''البيئة والتنمية''. كان هذا قبل خمس سنوات في القاهرة، في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 تحديداً. وكنا نحن مستعجلين للبدء فوراً. أذكر أنني أجبت شيخنا الجليل وقتها: ''علينا أن نعمل سريعاً، فما أدراك أين نكون بعد خمس سنوات''. لقد تعلمنا من محمد القصاص أنه، بعد خمس سنوات من غليان لم تشهد له المنطقة مثيلاً، ما زلنا هنا، لأن الأفراد يأتون ويذهبون أما المجتمع فيبقى. وها نحن أطلقنا المنتدى في العيد العاشر وفي مؤتمر عام كما أراد.
بالعربي، سيكون للبيئة صوت أكثر وقعاً بعد اليوم.
|