نجيب صعب، العدد 94، كانون الثاني 2006
بعد انضمام الولايات المتحدة، مضطرة، الى الاجماع العالمي في مؤتمر المناخ الذي عقد في مونتريال الشهر الماضي، لم يعد من الجائز لبعض الدول المنتجة للبترول أن تبقى وحيدة في مواقفها. لقد دعونا دائماً الدول العربية، المصدّرة والمستوردة للبترول على حد سواء، إلى التفاوض كمجموعة واحدة من أجل الحصول على حقوقها العادلة في الاتفاقات الدولية، كما فعلت روسيا حين ضمنت مليارات الدولارات من المساعدات الأوروبية والحقوق التجارية قبل اقرارها لبروتوكول كيوتو. أما وقد وافقت الدول العربية النفطية رسمياً على البروتوكول، وأصبح أمراً واقعاً، فلا حاجة الى الاستمرار في لعب ورقة العرقلة الأميركية. المطلوب الآن أن تحفظ الدول العربية حقوقها، ضمن الاجماع الدولي.
الضغط الشعبي والعلمي أجبرا الولايات المتحدة على قبول المشاركة في المفاوضات لما بعد كيوتو، علماً أنها لم توافق عليه أساساً، بحجة أنه يضر بالاقتصاد الأميركي. وقد أُصيبت الادارة الأميركية بالاحراج حين تحدث الرئيس السابق بيل كلينتون إلى مؤتمر مونتريال، مؤكداً أنه اذا طبقت أميركا، على نطاق واسع، تكنولوجيات الطاقة النظيفة وتدابير ترشيد الاستهلاك، يمكنها ليس تلبية شروط كيوتو فقط، بل تقوية اقتصادها في الوقت ذاته. وكانت الصحافة الأميركية تبنت حملة ضاغطة من أجل اتخاذ إجراءات فعالة للحد من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، وذلك بناء على إجماع علمي حول الموضوع. وانضمت عشر ولايات و192 مدينة أميركية الى الحملة، باعتمادها تدابير لتخفيف الانبعاثات تتجاوز متطلبات السلطة الاتحادية.
موضوع مؤتمر مونتريال الرئيسي كان الاتفاق على ما بعد كيوتو، أي الخطوات اللاحقة لسنة .2012 فالبروتوكول يفرض على الدول الصناعية تخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، خاصة ثاني أوكسيد الكربون من الوقود الاحفوري، بمعدل 5 في المئة مع حلول سنة ،2012 مقارنة مع مستويات عام .1990 ويؤكد العلماء اليوم أن وقف التدهور المناخي يتطلب تخفيض الانبعاثات بنسبة تراوح بين 50 و80 في المئة حتى سنة .2050 فهذا وحده كفيل بابقاء ارتفاع الحرارة في حدود درجتين، مقارنة مع ما كانت عليه عند بدء الثورة الصناعية. وإلا لن يمكن تجنب الكوارث المناخية الكبرى.
تحت الضغط الشعبي والعلمي والاجماع العالمي، وافقت الولايات المتحدة مع 157 دولة على اتفاق مونتريال، للبحث في ما بعد .2012 وبما أنها لم توقع أساساً على بروتوكول كيوتو، لم يكن عليها مناقشة تنفيذ متطلباته الحالية. لكنها تركت لبعض الشركاء محاولة عرقلة التدابير العملية، ولسوء الحظ كان بينهم بعض العرب. فقد جرت محاولات لالغاء العقوبات على عدم الالتزام بنسب تخفيض الانبعاثات المقررة وجعله اختيارياً، فيصبح الاتفاق بلا أسنان. وجرت محاولات لعرقلة تطبيق ''آليات التنمية النظيفة''، التي لحظها بروتوكول كيوتو من أجل دعم تحوّل الدول النامية إلى تكنولوجيات الطاقة الجديدة، عن طريق استثمارات فيها تقوم بها الدول الصناعية المتقدمة. لكن الاتفاق حصل في نهاية المطاف، وبدأ التفاوض الجدي على تدابير فعلية تتجاوز متطلبات كيوتو، من خلال إجماع نادر في تاريخ الاتفاقات الدولية، وافقت عليه دول الشمال والجنوب، وأميركا، والمنظمات البيئية الأهلية أيضاً.
أما وقد وصلنا الى هنا، فقد آن الأوان للمجموعة العربية أن تخطط إلى ما بعد كيوتو. أولاً، عليها أن تتوقف عن اعتبار كل حديث عن الطاقة النظيفة معادياً للنفط. فهناك تكنولوجيات ممكنة لاستخدامات نظيفة للنفط نفسه، لا بد من الاستثمار فيها. وهناك تدابير بسيطة لترشيد استهلاك الطاقة في بلداننا، لمنع تلوث أجوائنا أيضاً وليس فقط للمساهمة في منع تغير المناخ العالمي، لا بد من اعتمادها لوقف الهدر. ناهيك عن تكنولوجيات انتاج الطاقة من الشمس والرياح واستخراج الهيدروجين من الماء.
لنبدأ بأمور بسيطة، مثل تشجيع السيارات الهجينة في مدننا. فمن المعروف أن تلوث الهواء في المدن العربية المزدحمة، من الخليج الى المشرق فالمغرب مروراً بالقاهرة، مصدره الأساسي زحمة السير، لأن المحركات التي تعمل بسرعة متفاوتة ثم تتوقف تنتج أضعاف كميات الانبعاثات السامة. هل فكرنا باعتماد سيارات تعمل على النفط والكهرباء في وقت واحد، لحل هذه المشكلة؟ هذه التكنولوجيا البسيطة تعم الآن في مدن أميركية وأوروبية عدة، وقد شاهدنا في معرض دبي للسيارات الشهر الماضي نماذج منها، أحضرتها الشركات المصنعة للعرض والعلاقات العامة فقط، وقالت إنها غير مخصصة لأسواق الشرق الأوسط بعد. والتقنية بسيطة جداً، حيث يتم تعبئة بطارية ذات قدرة استيعاب عالية أثناء عمل المحرك على الوقود، لتستخدم تلقائياً لتشغيل السيارة أثناء زحمة السير بدلاً من البنزين والديزل. فهل تضع حكوماتنا تشريعات تشجّع استخدام السيارات الهجينة في المدن، وتجبر الشركات المصنعة على ادخالها الى أسواق المنطقة؟ وهل تقرر الدول المصدرة للبترول تخصيص جزء من فائض الأسعار لتطوير تكنولوجيات محلية للطاقة الاحفورية النظيفة والطاقة المتجددة؟
الكاتب توماس فريدمان حذر مؤخراً الولايات المتحدة، في مقال نشرته ''نيويورك تايمز''، من أنها اذا استمرت في تشجيع انتاج السيارات الكبيرة العطشى الى البترول، واستمرت في دعم الصناعات الملوثة وأنماط الاستهلاك المنفلتة، فانها ''ستصل بعد عقد من الزمن إلى وقت تستورد فيه التكنولوجيات الخضراء من الصين، تماماً كما تستورد السيارات الهجينة اليوم من اليابان''.
الصين، التي تتقدم سريعاً نحو التطور الصناعي، ستصبح خلال سنوات المنتج الأول لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. لكنها تتحسب لمتطلبات المستقبل، وتعمل على تطوير تكنولوجيات صديقة للبيئة، من مواد البناء ذات المواصفات الحرارية المتقدمة إلى المحركات العاملة على الهيدروجين.
فهل ننطلق في بناء قاعدة تكنولوجية متينة نكون فيها شركاء، أم نتبع أميركا أيضاً في استيراد التكنولوجيا جاهزة من الصين؟ |