نجيب صعب، العدد 91، تشرين الأول 2005
إذا كانت أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 الارهابية قد غيرت نظرة الولايات المتحدة الأميركية الى العالم، فصنفته في خانتين لا ثالث لهما، ''معنا أو ضدنا''، فإن إعصاري كاترينا وريتا في أيلول (سبتمبر) 2005 لا بد من أن يغيّرا نظرة الولايات المتحدة الى نفسها. فهي ستجد أن موقفها ضد كل العالم، في رفضها الالتزام ببروتوكول كيوتو للحد من تغيّر المناخ، لم يجنبها هي نفسها الكوارث. حتى الشهر الماضي، كان كثير من الأميركيين، وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش والصناعات الكبيرة، يشككون بما يقوله العلماء عن تغيّر المناخ. وإذا أقروا ببعض الحقيقة في هذا الشأن، فقد اعتبروا أن أميركا ستكون بعيدة عن مؤثرات تغيّر المناخ في المدى المنظور. وقد صدّق البعض أنه يمكن، اذا بدأت الكوارث المناخية في مناطق أخرى من العالم، أن يفكر الأميركان بعدها في طريقة لانقاذ أنفسهم.
مشاهد الغرقى في نيو اورلينز بدت وكأنها صور من مجاهل آسيا أو افريقيا، إذ لم يعهد العالم قبلاً مشاهدة هذه الكوارث الجماعية في أعظم بلد صناعي. لكن جبروت الطبيعة أقوى من التكنولوجيا. فهل ستستمر أميركا في رفضها لبروتوكول كيوتو للحد من تغيّر المناخ، في مواجهة العالم كله؟ ويؤكد العلماء اليوم أن تغيّر المناخ مسؤول عن الوتيرة المتسارعة للأعاصير وضخامتها، من كاترينا الأميركي الى فيضانات أوروبا هذا الصيف.
أوروبا صيف 2005 كانت حريقاً وغريقاً. فبينما كانت النيران تلتهم أحراج البرتغال بسبب الجفاف الشديد غير المعهود والحرارة، كانت الفيضانات ''الاستوائية'' تجتاح شمال أوروبا. كما كانت الطحالب السامة تنتشر في مياه البحر المتوسط، وصولاً إلى مناطق في شمال إيطاليا لم تشهد هذه الطحالب قبلاً، مما تسبب في انتشار أمراض غريبة بين السابحين. وأكد العلماء أن نمو الطحالب السامة ناتج عن ارتفاع غير اعتيادي في حرارة مياه البحر. وحذرت وكالة البيئة الأوروبية من أن تغيّر المناخ أصبح أمراً واقعاً، والمؤشرات واضحة لا تحتمل الجدل. فعقد التسعينات كان الأكثر دفئاً في التاريخ. وكانت سنوات 1998 و2002 و2003 الأعلى حرارة. وفي حين اعتُبر عام 2003 الأكثر جفافاً في البرتغال، جاء صيف 2005 ليتفوق عليه.
وكنا نشرنا تحقيقاً في بداية 2003 اعتبرنا فيه 2002 ''سنة الكوارث البيئية''. لكننا منذ سنة 2003 نؤجل نشر تحقيق أعددناه عن أسوأ سنوات الكوارث الطبيعية على شركات التأمين. فهو أُعدّ أساساً في نهاية سنة ،2003 وقبل نشره تبين أن 2004 ستتفوق عليها، وأجّلنا نشره هذا الشهر أيضاً، لتجديد الأرقام والمعلومات، بعدما تبين أن 2005 قد تكون السنة الأسوأ على شركات التأمين. فهل ننتظر 2006؟
ويتفق العلماء أنه حتى لو طبقت كل مندرجات بروتوكول كيوتو للحد من تغيّر المناخ، وانضمت اليه أميركا فوراً، فإن الحرارة رغم هذا سترتفع ما بين درجتين وست درجات خلال السنوات المئة المقبلة. إذاً، المطلوب يتجاوز كيوتو إلى تدابير أبعد وأشمل وأكثر جذرية. وهذا يتطلب تغييراً في السباق المحموم للسيطرة الاقتصادية وتعديلاً في أنماط المجتمع الاستهلاكي.
غلاف العدد الثالث من ''البيئة والتنمية'' في تشرين الثاني (نوفمبر) 1996 حمل عنوان ''المناخ يتغيّر''. وفي شباط (فبراير) ،2004 كررنا التحذير على غلاف بعنوان ''المناخ حتماً يتغيّر''. وقد اعتبر البعض أننا نبالغ حين وضعنا على الغلاف صورة خيالية لقافلة جمال تسير على الرمال فوق ثلوج جبال لبنان.
إعصار كاترينا ومن بعده ريتا وحرائق البرتغال وفيضانات أوروبا ليست النهاية. فالآتي أعظم ولا خيمة فوق رأس أحد.
|