نجيب صعب، العدد 90، أيلول 2005
الاجتماع الذي تستضيفه بيروت هذا الشهر، بدعوة من جامعة الدول العربية ووزارة البيئة اللبنانية، لبحث انشاء ''مرفق البيئة العربي''، خطوة طال انتظارها. فمنذ تأسيس مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة قبل عشرين عاماً، افتقر هذا المجلس إلى أداة تنفيذية تتمتع بموارد مالية. وفي حين تطورت آليات العمل البيئي خلال العقدين الأخيرين، على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية، بقيت مؤسسات البيئة العربية عاجزة عن القيام بدور فاعل، وكأنها تطير خارج سرب الهيئات المشابهة في المناطق الأخرى من العالم. فتلك، من أوروبا وأميركا الى آسيا وبعض افريقيا، نجحت على درجات متفاوتة في بناء مؤسسات لتطوير البرامج البيئية وتنفيذها، بينما أُبقيت الأمانة الفنية لمجلس وزراء البيئة العرب هيئة تفتقر إلى ميزانية تؤهلها للعمل. حتى أن بعض الدول الأعضاء تقصّر في تسديد المساهمة السنوية المتواضعة في ميزانية المجلس، البالغة خمسة آلاف دولار.
خلال مؤتمر القمة العالمي حول التنمية المستدامة الذي عقد في جوهانسبورغ صيف 2002، قدمت الدول العربية ''مبادرة'' حددت فيها ثلاث أولويات للعمل البيئي العربي، هي: الموارد المائية ومكافحة التصحر وإدارة الموارد الساحلية. بعد ثلاث سنوات على ''المبادرة العربية'' إلى قمة الأرض الثانية، لم توضع البرامج والخطط التنفيذية لتحقيق أي من أهدافها. في المقابل، قطعت مبادرات قدمتها دول ومجموعات أخرى في القمة نفسها أشواطاً كبيرة في التنفيذ الفعلي، لأنها دعمت بمؤسسات ومصادر تمويل.
خلال فترة السنوات الثلاث هذه، شهد وضع البيئة العربي تراجعاً وفق معظم الدراسات والتقارير. ففي مؤشر الاستدامة البيئية لسنة 2005، الذي صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، تراجعت مرتبة معظم الدول العربية مقارنة مع عام 2002. ويتبين من مراجعة للتفاصيل أن التدهور الفعلي مقارنة مع عام 2002 كان في أداء مؤسسات البيئة العربية وضعف مشاركتها في المبادرات البيئية الدولية. أما المؤشرات الأخرى، التي تتعلق بالماء والهواء والأرض، فهي، وان لم تتقدم عما كانت عليه عام 2002، لم تتراجع في معظم الحالات. وهذا يفسّر أن تراجع العرب في مؤشر البيئة خلال ثلاث سنوات مردّه إلى أن الآخرين تقدموا وسبقوهم. فالمؤشرات تقوم على المقارنة.
بعض المعترضين على نتائج مؤشر الاستدامة البيئية يحتجون بأن الدول العربية تحصل فيه دائماً على تقدير منخفض جداً في الموارد المائية ونوعية الأراضي، بينما الفقر المائي والتصحر والجفاف من السمات الطبيعية في المنطقة العربية، ولا حول ولا قوة للحكومات ومؤسسات البيئة بها. لكن الدول الحريصة بيئياً تعوض عن هشاشة الموارد بالكفاءة والعلم وحسن الادارة. فهولندا، مثلاً، حصلت على معدلات متدنية في الموارد المائية والأرضية، لكنها عوضت عنها بمعدلات مرتفعة في العلم والتكنولوجيا وكفاءة استخدام الموارد، مما انعكس مرتبة جيدة في مؤشر الاستدامة البيئية.
هل يكون إنشاء ''مرفق البيئة العربي'' الجواب على هذا التقصير؟ هذا ما يتمناه البيئيون العرب، وقد دعونا إليه في مناسبات عدة. فكيف يمكن أن نتوجه إلى العالم ليساعدنا ما لم نساعد أنفسنا أولاً؟
على نهج ''مرفق البيئة العالمي''، يهدف ''مرفق البيئة العربي'' إلى تمويل برامج تساهم في حل المعضلات البيئية الملحة، ليس عبر العلاج فقط بل عن طريق الوقاية والتنمية المتوازنة للموارد. غير أن نجاح مبادرة إنشاء المرفق العربي يعتمد أولاً على تحديد أهداف واقعية وتطوير بنى مؤسسية كفوءة. وهو يقوم على التزام الحكومات العربية بتقديم دعم مالي ملائم ومتواصل. فالشريك الأساسي في هذا ''الصندوق'' هي الحكومات، تماماً كما في ''مرفق البيئة العالمي''، الذي تموله الحكومات الأعضاء وليس القطاع الخاص.
اجتماع بيروت يركز على دور القطاع الخاص في تمويل المرفق العربي. نخاف أن يكون هذا هروباً إلى الأمام. نحن نعرف أن مساهمة الحكومات العربية في مبادرات كهذه لم تكن مشجعة سابقاً، وأمامنا تجربة مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة. لكن لا مفر من إقناع الحكومات بالمشاركة، ولو عن طريق الاستدراج، لأن تمويل هذا العمل هو من مسؤوليتها. ومن الضروري أيضاً إدخال صندوق أوبك للتنمية وصناديق التنمية العربية وشركات النفط الوطنية كشركاء في التمويل.
وأول ما ينتظر مرفق البيئة العربي وضع آليات لتطبيق مندرجات المبادرة العربية الى قمة جوهانسبورغ. فهي ما زالت أولويات ملحّة، ولو طال الانتظار.
|