نجيب صعب، العدد 75، حزيران 2004
ينعقد مؤتمر منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك) في بيروت على خلفية ارتفاع في الأسعار، يعتبر البعض أنه تجاوز الحدود المعقولة، فيما يرى فيه آخرون تعبيراً عن القيمة الفعلية لهذه السلعة الحيوية. وإن مقارنة حركة أسعار النفط منذ خمسين سنة مع مؤشرات التضخم العالمية، تُظهر أنّ السعر الحقيقي للبرميل اليوم كان يجب أن يتجاوز المئة دولار، لو تركت الحرية لعوامل السوق أن تأخذ مجراها الطبيعي. غير أن وجود الدول المصدرة ومعظم الاحتياطي في العالم النامي، دفع الدول الصناعية إلى التحكّم بالاسعار على مدى عقود.
فالنفط مورد محدود معرض للنضوب، ومن الطبيعي أن يرتفع سعره مع ازدياد الطلب عليه وتناقص الاحتياطي المؤكد منه. ولو صدف وجود هذا الاحتياطي في الدول الصناعية، لكانت أسعار تصدير النفط أضعاف ما هي عليه اليوم.
أما الحملات العشوائية ضد النفط عامة، التي تقودها بعض جماعات ''الأصولية البيئية'' في العالم العربي، فهي، إذ تكرر أصواتاً غربية بلا تدقيق، تتجاهل الفوائد التي يمكن أن تجنيها المنطقة كلها إذا أُحسن استخدام دخل النفط لتحقيق تنمية متوازنة قابلة للاستمرار. وعلى الرغم من كل الاعتراضات على اخفاقات برامج التنمية في العالم العربي، لا يمكن أن نتجاهل أثر الثروة النفطية في تطوير معظم البلدان العربية، وان كنا ما زلنا بحاجة إلى عمل طويل لتوسيع قاعدة الانتاج وتوزيع الثروة، بما يعمم الرخاء والاستقرار.
غير أن النفط ليس مورد الطاقة الطبيعي الوحيد في المنطقة. فالعالم العربي يقع ضمن أغنى الأحزمة الشمسية في العالم، مما يجعل جميع بلدانه مؤهلة لاستغلال الطاقة الشمسية أيضاً على نحو فعّال. وهذا يؤدي الى تنويع مصادر الطاقة وتعميم إنتاجها. لقد خرجت تكنولوجيات الطاقة المتجددة، خاصة من الشمس والرياح، من المختبرات، وأصبحت حقيقة فعلية على الأرض. وشهد توليد الكهرباء من الرياح في العالم ارتفاعاً بلغ 26 في المئة سنة ،2003 متجاوزاً بأشواط نسب الارتفاع في انتاج مصادر الطاقة الأخرى. وبينما تتجه بريطانيا الى تحقيق هدفها في الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 10 في المئة لتوليد الكهرباء بحلول سنة ،2010 تسير ألمانيا بخطى حثيثة نحو الوصول إلى نسبة 16 في المئة خلال الفترة نفسها. ويتجاوز حجم أعمال الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة في ألمانيا اليوم عشرة بلايين دولار سنوياً، وهي توفر 135 ألف فرصة عمل. ولا يقتصر اعتماد تكنولوجيات الطاقة المتجددة على الدول الصناعية، اذ ان دولاً نامية كثيرة حققت انجازات واقعية في هذا المجال. ففي جنوب افريقيا مثلاً، يعتمد 20 ألف منزل ريفي اليوم على الطاقة الشمسية لحاجة الكهرباء، على أن يصل العدد إلى 300 ألف منزل بحلول سنة .2010 وفي سورية تجربة متواضعة، حيث تم إيصال الكهرباء الشمسية إلى نحو مئة منزل في أربع قرى نائية في محافظة حلب بواسطة خلايا ضوئية فردية.
ومع تطوير تكنولوجيات فعّالة لاستثمار الطاقة المتجددة، تقوم برامج ثورية في أوروبا والولايات المتحدة لتخفيف انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود الاحفوري. ففي النروج تطبيقات ناجحة لضخ غاز ثاني اوكسيد الكربون، الناتج عن عمليات الحفر وتوليد الكهرباء، وتخزينه في طبقات أرضية جوفية تحت المحيط. وقد خصصت الولايات المتحدة ميزانيات ضخمة لتطوير هذه التقنيات. كما أن السيارات ووسائل النقل الأقل استهلاكاً وتلويثاً، وتلك التي تعمل على الهيدروجين والكهرباء، خرجت في السنوات الأخيرة من المختبرات وحقول التجارب إلى الطرقات العامة في دول عدة.
هناك إجماع على أن النفط سيبقى المصدر الرئيسي للطاقة خلال العقود المقبلة. فلا مبرر لأن تخاف الدول المنتجة من منافسة مصادر الطاقة المتجددة. الخطر الحقيقي هو أن تشيح الدول المصدرة للنفط نظرها عن التطورات التكنولوجية الحديثة في استخدامات الوقود النظيف والطاقة المتجددة، فتصبح مستوردة لها بدل أن تكون شريكاً في تطويرها. أمام العرب المنتجين للنفط اليوم فرصة حقيقية لتحويل دخل النفط إلى تكنولوجيا تضمن المستقبل. |