كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
كابوس التلوّث الصناعي ونعمة التكنولوجيا الملائمة

كابوس التلوّث الصناعي ونعمة التكنولوجيا الملائمة

نجيب صعب، العدد 3، تشرين الثاني ـ كانون الأول 1996

 

حين ارتفعت أصوات التحذير من العلماء والمجموعات البيئية في السبعينات، للتنبيه الى مخاطر الافراط في هدر الموارد والتلوث على التوازن الطبيعي، اعتبرها كثيرون مبالغات لن يخرج أثرها من مختبرات العلماء وخيال الباحثين وبيانات الناشطين البيئيين. غير أن ما نلمسه اليوم أظهر أن ما تحدّث عنه العلماء والبيئيون في السبعينات كان مجرد مقدّمات و"بروفات" لما هو أعظم. وقد يكون تغيّر المناخ من أبرز الأمثلة. ففي حين كانت هذه الظاهرة متوقعة الحصول، أصبحت الآن واقعاً ثابتاً، وانتقل الجدال من الخلاف على امكان وقوعها إلى البحث عن أساليب وقفها.

فهل أصبح العالم ضحية لنجاحه وتطوره التكنولوجي؟ وهل حُكم علينا بالغرق في الأقذار؟

يوم دخلت السيارة شوارع العالم لأول مرة، اعتبرت علاجاً لتلوث المدن من أوساخ الخيل التي كانت تجر العربات وتنقل الناس. والآن، بعد مئة سنة، نتهم السيارات بالمساهمة في سقوط المطر الحمضي، واضمحلال طبقة الأوزون، وارتفاع نسبة الرصاص في الدم، وازدياد ثاني أوكسيد الكربون، وغيرها من مضاعفات تلوّث الهواء على صحة الانسان.

ولطالما اعتبرنا مكيفات الهواء العاملة على غاز "الفريون" مظهراً للراحة والرفاهية، إلى أن علمنا أن هذا الغاز وغيره من غازات الكلوروفلوروكربون تتسبّب في تفكيك طبقة الأوزون، التي تحمينا من الاصابة بالسرطان الناتج عن الأشعة ما فوق البنفسجية.

أما تغيّر المناخ، فهو الظاهرة العالمية الكبرى لمخلفات التطور الصناعي المنفلت. وينتج تغيّر المناخ عن "الاحتباس الحراري"، أي بقاء كمية زائدة من حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي للأرض، وعجزها عن الانفلات خارجاً، بسبب ازدياد تركيز غازات ثاني أوكسيد الكربون والميثان وغيرهما، وتشكيلها حاجزاً يُعرقل التوازن الطبيعي في الحرارة. ويؤدي هذا إلى ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، مما يتسبّب في ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستويات البحار، فتغمر المياه جزراً ومدناً ساحلية ويتعرقل التوازن الايكولوجي.

ما الذي جرّ على العالم هذا الكابوس؟

منذ الثورة الصناعية حتى اليوم، ازداد تركيز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 25 في المئة. وهو ما زال يتزايد بنسبة نصف في المئة سنوياً. أما غاز الميثان، فيرتفع تركيزه بنسبة واحد في المئة سنوياً. وهذا أساساً ناتج عن الانبعاثات من الصناعة والنقل وانتاج الطاقة. وما لم تتخذ اجراءات فعالة لوقف التدهور وإصلاح الخلل، يمكن أن ترتفع حرارة الأرض بمعدل درجتين مئويتين خلال القرن المقبل. ومن الظواهر البارزة أن السنوات الخمس عشرة الأخيرة شهدت أكثر الفترات دفئاً في العالم.

ويؤثر ارتفاع الحرارة على الانسان والزراعة، فينخفض إنتاج الأغذية على نحو حادّ قرب خط الاستواء، وتتمدد المحيطات مع انصهار الجليد، فيرتفع سطح البحر 6 سنتيمترات خلال القرن المقبل، مما يؤدي إلى فيضانات في الجزر والأراضي الساحلية، ونزوح ملايين السكان، وتلوّث المياه.

غير أن هذا السيناريو الشبيه بالكابوس ليس حتمياً، والحلول في متناول أيدينا. فقد أثبت التطور العلمي والتكنولوجي خلال السنوات الأخيرة أن اعتماد تكنولوجيات ملائمة كفيل بحل المشكلات البيئية. إذ من الممكن مجابهة انجراف التربة والتصحّر، وليس من الضروري القضاء على الغابات لاطعام الناس، ويمكن ممارسة الزراعة والرعي والصيد ضمن قيود تؤمن التوازن والاستمرار. وقد أثبت الضغط على الصناعة جدواه، فتم خفض وزن السيارات 25 في المئة خلال عشر سنوات مما خفف استهلاكها للطاقة، وتم تطوير محركات للسيارات أقل ضرراً للبيئة، وشاع استعمال الوقود الخالي من الرصاص، وتم تطوير غازات بديلة عن "الفريون" ومشتقات الكلوروفلوروكربون للمكيفات، وأدى تطوير مواد صناعية جديدة إلى توفير كبير في استهلاك المصادر الطبيعية. فبفضل الألياف الزجاجية أصبح ممكناً انتاج قمر اصطناعي يزن 250 كيلوغراماً ويزيد فعالية عن كابل عابر للمحيطات يزن 150 ألف طن. وتتجه الصناعات نحو نظام إيكولوجي متكامل تشكّل فيه نفايات صناعة معينة المواد الخام لصناعات أخرى، بينما كانت في السابق مصدراً للتلوث والهدر.

وحين تتحدث بعض الدول الصناعية عن ضرائب على منتجات الطاقة، عليها الا تنسى أنها كانت هي وما تزال المصدر الأساسي للتلوث وانبعاث الغازات السامة، وعليها أن تدفع الثمن. فلا يجوز مثلاً استعمال "ضريبة الكربون" الاوروبية بلا قيود للضغط على البترول وتشجيع مصادر طاقة أخرى، كالفحم الحجري والطاقة النووية، التي لها أيضاً مخاطرها البيئية الكبرى. فإذا كان لا بد من ضريبة على الطاقة، فالأحرى أن يخصص الجزء الأكبر منها للدول المنتجة للبترول نفسها، وهي في معظمها دول في طور النمو الاقتصادي، لاستعمالها في تطوير منشآتها بما يكفل انتاجاً نظيفاً صديقاً للبيئة، إذ من غير العدل أن يتحمل المنتجون وحدهم الثمن.

إن عصراً جديداً يدق أبواب العالم العربي، يتم فيه تسخير التكنولوجيا من أجل تنمية قابلة للاستمرار.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات