كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
إنجازات المستقبل!

نجيب صعب، العدد 44، تشرين الثاني 2001

تحضيراً للقمة العالمية حول التنمية المستدامة، التي اصطلح على تسميتها «قمة الأرض الثانية»، تكبّ دول ومنظمات على إعداد جردة حساب بما حصل خلال السنوات العشر الماضية، بعد قمة الأرض الأولى في ريو دي جانيرو، وتمخض عنها جدول الأعمال للقرن الحادي والعشرين، أو «أجندة 21».

 

هذا عمل ضروري، لأن نجاحات المستقبل تبنى على إنجازات الماضي وأخطائه. غير أننا بدأنا نتلمس اتجاهات خطيرة في كثير من هذه التقارير التي تناقشها اجتماعات إقليمية عربية. فمعظمها يركز على ما يسميه «إنجازات»، ناسباً إياها إلى نفسه، ويتناسى ذكر الأخطاء والعثرات. وحين يتحدث عنها، ينسبها إلى قوى خارجية مجهولة، أو أشباح. ومن أطرف ما قرأناه تقرير قدمته جهة حكومية عربية عددت فيه إنجازاتها خلال العقد الأخير، ثم انتقلت إلى الحديث عن «إنجازات المستقبل»، حيث عددت كل ما عجزت عن القيام به من مهمات ومسؤوليات خلال الفترة نفسها. فبدل تصنيفها في خانة «خيبات الماضي»، للاستفادة من التجربة وتصحيح الخطأ، اعتبرتها برنامج عمل تحت عنوان «إنجازات المستقبل».

 

تحاول هذه التقارير اعتماد مؤشرات لمعرفة مدى تحقيق الأهداف التي حددها «جدول أعمال القرن 21». لكن هذه المؤشرات تبقى في معظم الحالات رقمية تهمل النوعية والتأثير في حياة الناس. فالارتفاع في عدد المستشفيات والأطباء مثلاً يبقى مؤشراً بلا معنى إذا لم يرتبط بانخفاض الوفيات والأمراض. وازدياد عدد المدارس يجب ربطه بانخفاض الأمية. وعدد الجامعات والطلاب الجامعيين يصبح مؤشراً ذا مدلول حين نربطه بمستوى الثقافة والإبداع والبحث العلمي واستجابتها لحاجات المجتمع. وعدد البرامج والدراسات والقوانين البيئية يصبح ذا معنى حين تكون هذه جزءاً متكاملاً من سياسة وطنية توضع في التطبيق. وفي المحصلة النهائية، يبقى المؤشر الأهم لفعالية برامج التنمية وقابليتها للاستمرار مدى مساهمتها في تحسين نوعية حياة الناس.

 

ومن الملاحظ أن مفهوم «التنمية المستدامة»، الذي تبنته قمة الأرض الأولى، أخذ يفقد معناه الأساسي، بتشجيع من بعض المنظمات الدولية التي تسعى إلى اختطاف موضوع البيئة. فالتنمية المستدامة تفقد معناها إذا فُصلت عن البيئة. وهي لا يمكن أن تعني الا التنمية القائمة على التوازن بين حاجات التطوّر البشري ومحدوديات الموارد الطبيعية، أي توازن التنمية والبيئة. «التنمية المستدامة» هي بعبارة أخرى «التنمية البيئية». ورغم هذا التحديد المبدئي البديهي، قرر المشاركون في أحد الاجتماعات الإقليمية العربية تحضيراً للقمة العالمية حول التنمية المستدامة أن البيئة خارج الموضوع، وأن البحث يجب أن يكون محصوراً في الاقتصاد والتجارة. وغاب عن هؤلاء أن عبارة التنمية المستدامة تم تركيبها لتعبر عن ارتباط البيئة بالاقتصاد والتجارة والتربية والزراعة والصحة وغيرها. ويتحول كثير من هذه الاجتماعات إلى حوار للهواة، إذ يتنطح للحديث عن الاقتصاد جماعة من غير المختصين، فيرددون شعارات مبتورة قرأوها في الصحف، تنتهي إلى كلام عام وتوصيات هي أقرب إلى أفكار مشوشة لا يربطها رابط، بعيدة عن البيئة والاقتصاد على السواء. وهذه لا يمكن، بالتأكيد، أن تشكل أساساً لسياسات في التنمية المستدامة، أي المتوازنة بيئياً.

 

وقد يكون بين المجتمعين مجموعة من المختصين في حقول محددة، لكنهم مثل فرقة موسيقية تفتقد إلى قائد (مايسترو). فسياسات التنمية المستدامة ليست مجموعة توصيات متفرقة، بل ان كل بند مختص منها يجب أن يهتدي بمبادئ سياسة شاملة للتنمية المتوازنة، في حين أن البرنامج العام يستوعب العناصر ويدمجها في وحدة متكاملة. هكذا تصبح وزارة البيئة بمثابة «مايسترو» وجهاز تنسيق لإدخال الاعتبار البيئي في السياسة الحكومية الإنمائية، وعبرها في برامج جميع الوزارات، من الزراعة والتربية والطاقة والمياه إلى المال والاقتصاد وما بينها.

 

هذه النظرة الشاملة إلى التنمية البيئية هي ما نفتقده في معظم أوجه العمل البيئي العربي، الذي ما زال يقوم على جمع عشوائي لبرامج وتوصيات وعناوين متفرقة.

 

وهنا يحضرني مثل تسوقه كتابات إحدى الديانات الهندية القديمة. تذهب القصة إلى أنه طُلب من مجموعة أشخاص الدخول إلى غرفة مظلمة ووصف ما فيها. فخرجوا واحداً بعد آخر بأوصاف لا يربطها رابط: واحد قال إن في الغرفة حائطاً، وآخر وجد فيها حبلاً، وثالث وجد مروحة، ورابع لمس كرة، وخامس وجد أنبوباً ضخماً، وسادس قال إن في الغرفة وسادة وثيرة. كلٌّ منهم أفصح فعلاً عما لمسه في هذه الغرفة السوداء، واعتبر أنه الحقيقة النهائية. غير أن ما لمسوه بالفعل لم يكن إلا جزءاً صغيراً من فيل ضخم كان يقف وسط الغرفة. وتقول الرواية إنه لو وجدت شمعة في الغرفة، لكان الجميع رأوا الفيل ووصفوه، ولكان مجموع الأوصاف شكّل صورة متكاملة متعددة الجوانب. أما مجموعة أوصافهم الجزئية فبقيت بعيدة عن الحقيقة.

 

هذه هي حكمة تلك الفلسفة القديمة: الحقيقة كلية وليست جزئية، والاختصاص يعمي إذا لم يكن مهتدياً بنور العقل.

 

قد تكون النصيحة الأجدى لوزارات البيئة وهيئاتها وبرامجها المحلية والدولية دراسة كتب الحكمة الهندية. فحين نبني برامج البيئة والتنمية على أساس سياسة متكاملة، وحين تصبح نوعية الحياة دليلاً للمؤشرات وليس التراكم الكمي، نستطيع بالفعل تحويل إخفاقات الماضي إلى إنجازات المستقبل.

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات