كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
التسويات تصنع السياسة البيئية

نجيب صعب، العدد 24، آذار 2000

"البيئة لا تحتمل الحلول الوسط"، قال صديقي المتحمس جداً، وهو يعترض على مجموعة مبادرات عربية وعالمية اعتبرها أقل كثيراً من المطلوب. وتابع واصفاً بعض السياسيين والمسؤولين البيئيين بالعمالة والخيانة لقبولهم بتسويات في المعاهدات والسياسات البيئية. فقلنا للصديق ان الشعارات البيئية الرنانة تبقى بلا معنى اذا لم تقترن بخطة واقعية للتطبيق. فقد انتهى الزمن الذي كان فيه الكلام العمومي عن البيئة، للتصفيق والاثارة، يعتبر عملاً بطولياً ونضالاً للمصلحة العامة. كما انتهى زمن الشعارات الغوغائية التي أوصلت مجتمعاتنا، في السياسة والاقتصاد والفكر، الى حال شبيهة بالاضمحلال. فدعونا لا نكرر هذه التجربة المريرة في موضوع البيئة.

الادارة البيئية تقوم على سياسة بيئية. والسياسة هي فن الممكن. حين اجتمعت دول العالم في مدينة بازل السويسرية سنة 1989 لاقرار معاهدة حظر نقل النفايات الكيميائية السامة عبر الحدود، كان من المستحيل الوصول الى اتفاق ما لم يتم القبول باستثناءات سمحت باستمرار انتقال بعض المواد السامة بحجة اعادة التصنيع. ومع أن هذا شكل ثغرة تسربت من خلالها كميات كبيرة من النفايات السامة الى الدول النامية باعتبارها مواد صالحة لاعادة التصنيع، إلا أن السؤال الواقعي يبقى: كيف كانت الحال لو لم يتم التوقيع على معاهدة بازل؟ والجواب الأكيد هو أن المفاوضات كانت ما زالت مستمرة حتى اليوم، في غياب إطار قانوني يحكم حركة النفايات السامة، ولكانت الكميات التي انتقلت عبر الحدود مئات الأضعاف.

الحل الواقعي كل القبول بأفضل الشروط الممكنة في بازل، واستمرار العمل على خط مواز للحصول على شروط أفضل. وهذا ما حصل فعلاً. فمنذ أشهر، تم التوقيع في مدينة بازل نفسها على انشاء صندوق مستقل لتمويل التصدي السريع لحوادث التسرب الكيميائي، وتنفيذ منع نقل النفايات الخطرة من الدول الصناعية الى الدول النامية، ودعم تطوير صناعات نظيفة تنتج نفايات أقل. ولا بد من الاعتراف بأن معاهدة بازل شكلت إطاراً قانونياً دولياً فعالاً خلال السنوات الماضية للحد من التجارة بالنفايات السامة، وصلت فوائده الى دول عربية عدة. ففي لبنان وحده، تمت إعادة شحنات من النفايات الصناعية والمواد الكيميائية التالفة الى مصادرها في ألمانيا وبلجيكا وكندا، استناداً الى بنود بازل.

وليست معاهدة بازل وحيدة في إطار التسويات، إذ ان جميع الاتفاقيات والمعاهدات البيئية الدولية الأخرى كانت أيضاً نتيجة مفاوضات انتهت، مرحلياً، بتسوية شكلت أفضل الممكن، بانتظار مرحلة أخرى. ولولا القبول بمنطق التسوية، لما كان ممكناً تحقيق أي تقدم في مجالات معالجة تغير المناخ وثقب الأوزون ومكافحة التصحر والحفاظ على التنوع البيولوجي. إن التقدم خطوة خطوة، مع متابعة العمل والضغط للتوصل الى حال توازن تحمي البيئة ولا تقتل التنمية، هو السياسة التي توصل العمل البيئي الى نتائج مفيدة وليس الغوغاء والضوضاء.

السياسة فن الممكن وعلم التسويات. وهذا ينطبق على البيئة، كما على الاقتصاد وصناعة التبغ. فمنذ شهور، رضخت شركات التبغ العالمية لعقوبات وغرامات قاسية فرضتها الحكومة الأميركية، بعد عشرات السنين من المعارك في المحاكم. خلال هذه الفترة، وظفت مصانع التبغ أفضل المحامين وكسبت ود مراكز أبحاث كبيرة عن طريق التبرعات، لدعم موقفها الذي يقلل من خطر التبغ ويركز على فوائد صناعة السجائر للدورة الاقتصادية. في المقابل، وظفت الهيئات المناهضة للسجائر كبار المحامين وأمنت التمويل لعلماء ومراكز أبحاث لاثبات ضرر التبغ على الصحة والاقتصاد معاً، بسبب المصاريف الصحية الكبيرة في معالجة المصابين بأمراض أساسها التدخين، والخسارة الناجمة عن تعطيل العمل الذي يتسبب به مرضى السجائر. ومع أن ضرر السجائر كان واضحاً، فقد اقتضى الأمر عشرات السنين من المواجهات العلمية والقضائية، قبل أن ينتصر الفريق المعارض للتدخين وتعترف مصانع التبغ بهزيمتها.

في موضوع البيئة نواجه مشكلة مشابهة. فالصناعات الملوِّثة تملك المال والنفوذ لتمرير برامجها وتوظيف كبار المحامين واغراء بعض العلماء لدعم وجهة نظرها. وعلى وزارات البيئة والهيئات البيئية، في المقابل، أن تعمل لامتلاك قدرات قانونية وعلمية توازي قدرات الشركات وتتفوق عليها، حتى تكون التسوية في النهاية لمصلحة البيئة والتنمية المتوازنة. فلا يمكن مواجهة القدرات العلمية للشركات والمصانع بهواة العلم، كما لا يمكن التصدي لكبار المحامين الذين يوظِّفهم الملوِّثون لدعم مواقعهم بالمبتدئين.

والى أن تمتلك الهيئات البيئية التفوق في العلم والقانون، ستبقى مهزومة في مواجهتها مع الصناعات الملوّثة، وتبقى مشاريعها وبرامجها وخطبها الانشائية مجرد صيحات ألم وتأوهات عجز، تتحدث عن العمومي المثالي وتعجز عن تحقيق الواقعي الممكن.

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات