نجيب صعب، العدد 10، كانون الثاني-شباط 1998
أخيراً، حسمت مجموعة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) أمرها من مسألة مشاركتها في التدابير الدولية لمعالجة مسببات تغير المناخ. فللمرة الأولى، أعلنت المجموعة موقفاً هجومياً شجاعاً، يحمي حقوق الدول النفطية، وهي في معظمها دول في طور النمو، كما يحافظ على مصالح الدول الفقيرة.
لقد طالبت دول "أوبك" بتعويضات مالية لسد الخسارة التي ستترتب عن فرض ضرائب مرتفعة على الوقود تؤدي الى تخفيف حجم الاستهلاك. فالخطة التي تقترحها الدول الصناعية لخفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون ستؤدي الى تقليص انتاج النفط وخسارة دول "أوبك" عشرين مليار دولار سنوياً.
والدول الأساسية المنتجة للنفط هي في معظمها دول نامية من العالم العربي وآسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، وهي تفتقر الى الصناعات الكبيرة، كما أنها ما زالت تحتاج الى صرف آلاف الملايين على مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتطوير شعوبها. وهي تلتقي في موقفها مع مجموعة الدول الأكثر فقراً في العالم، التي ترى أن الدول الصناعية الغنية يجب أن تتحمل العبء الأساسي لتنظيف البيئة لأنها هي المسؤولة بشكل رئيسي عن تلويثها.
واذا كنا ندعو الى عدم حشر الدول النفطية والدول النامية والفقيرة الأخرى في التزامات تضر بمصالح شعوبها، تحت ضغط قوى المال والصناعة في العالم، فهذا لا يعني ان مشكلة تغير المناخ ليست ملحة. لقد أصبح ثابتاً أن المناخ يتغير على نحو خطير بسبب الممارسات الصناعية المنفلتة ووسائل النقل. فمعظم العلماء يتفقون اليوم على أن الاستمرار في الممارسات الحالية سيؤدي الى ارتفاع في درجات الحرارة العالمية يصل الى 3,5 درجات خلال مئة سنة. وسينتج عن هذا ارتفاع مستوى مياه البحار بين 15 و95 سنتيمتراً، كما ستتغير النظم البيئية بسبب تغير الحرارة في السواحل والصحاري والغابات.
السبب الأساسي لهذا التغير المناخي انبعاث غازات الوقود المستعمل في الصناعة والنقل وانتاج الطاقة. والحل تخفيف استخدام أنواع الوقود الملوثة، وتطوير مصادر أخرى نظيفة للطاقة، مع ما يستتبعه هذا من زيادة في كلفة الانتاج. فما هي مواقف الدول المختلفة من هذا الموضوع؟
الولايات المتحدة، التي تضم 4 في المئة من سكان العالم، مسؤولة عن 25 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة لتغير المناخ. غير أنه مع الاستمرار في السياسات الحاضرة، فمن المتوقع أن تزداد انبعاثات هذه الغازات في الولايات المتحدة بنسبة 23 في المئة سنة 2010 بالمقارنة مع ما كانت عليه سنة 1990، بينما تطرح دول المجموعة الأوروبية تخفيض الانبعاثات بنسبة 15 في المئة قبل هذا التاريخ. وتدعو الولايات المتحدة أيضاً الى إلزام الدول الفقيرة النامية بمعدلات خفض الانبعاثات في الوقت ذاته مع الدول الصناعية، مع ما في هذا من عرقلة لجهود التنمية. وتهدد أوستراليا بالخروج على أي اتفاق للحد من انبعاثات الغازات المسببة لتغير المناخ اذا كان سيعني خسارة وظائف وإبطاء عجلة النمو الاقتصادي.
وسط هذه التناقضات، وعجلة شد الحبال الدولية، تبنت دول "أوبك"، التي وقفت في جبهة واحدة مع الدول الأكثر فقراً، موقفاً مميزاً. ففي حين كانت ترفض في الماضي كل بحث في زيادات الضرائب على النفط وتعتبره موجهاً ضدها، مما أظهرها في حالات كثيرة وكأنها معادية للبيئة، اعتمدت اليوم نهجاً ذكياً يحرج الدول التي تخلط رعاية البيئة بالمصالح الاقتصادية الداخلية. فهي الآن تقول: ارفعوا الضرائب على النفط، ولكن ارفعوها أيضاً على كل مصدر آخر للطاقة بحسب تسببه بالتلوث. فلا يجوز أن تصبح حماية البيئة غطاء لمعاقبة الدول النفطية لصالح أشكال أخرى من الطاقة الملوثة أيضاً.
وهي تقول: ان الضرائب على النفط أصبحت مصدر دخل كبير للدول الصناعية الغنية، بحجة الحفاظ على البيئة. فأصبح ما يصل الى خزائن هذه الدول من رسوم على براميل النفط يساوي أضعاف ما يصل الى الدول المنتجة من سعر البرميل. فاذا كانت حجة الحفاظ على البيئة جدية، فلتعطِ الدول الصناعية الغنية الجزء الكبير من ضرائب البترول كتعويضات الى الدول النفطية والدول الفقيرة، للمساعدة في تطوير برامج حماية البيئة لديها.
نحن ننتمي الى العالم العربي، والى مجموعة الدول الفقيرة النامية. ولا يجوز أن نقبل التنازل عن مصالحنا تحت ضغط مطارق "العولمة البيئية"، لا سيما حين تعني أن على الفقراء وحدهم أن يدفعوا الثمن. |