نجيب صعب، العدد 122، أيار 2008
عندما وقف الرئيس الأميركي جورج بوش العام الماضي مع الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا لتلك اللقطة الاستعراضية أمام مصنع للوقود الحيوي، اعتقد البعض أن بوش بدأ يتحول إلى مناضل من أجل البيئة. لكننا في مجلة ''البيئة والتنمية'' تعاملنا مع الموضوع بحذر، فوضعنا الصورة على الغلاف تحت عنوان ''ديبلوماسية الإيثانول''.
وقد أثبتت الوقائع أن المسألة لم تكن إلا هروباً إلى الأمام، ومحاولة أخرى لتجنلاب اتخاذ القرارت الحقيقية، ابتداء من ترشيد استهلاك الطاقة، إلى الاستخدام الأنظف للوقود واعتماد مصادر الطاقة المتجددة الرئيسية الآمنة، وفي طليعتها الشمس والرياح. لقد كان بوش يحلم بجرف غابات الأمازون لتستبدلها الشركات الأميركية بزراعات تنتج منها الوقود الحيوي.
لم تكن هناك حاجة إلى انتظار طويل لنكتشف الخدعة الكبرى، مع الارتفاع الجنوني لأسعار الحبوب في العالم، الذي يهدّد بمجاعة تتجاوز ما تسبب به تراجع إنتاج الغذاء عقب الجفاف في بداية سبعينات القرن الماضي. وليس من الصعب معرفة السبب وراء هذا: فكمية الذرة التي يتطلبها انتاج ايثانول لتعبئة خزان سيارة دفع رباعي كبيرة مرة واحدة، تكفي لتغذية شخص فترة سنة كاملة.
الرئيس بوش كان واضحاً في تبرير دعمه للوقود الحيوي، حين أعلن أنه ''يقلّل من اعتماد الولايات المتحدة على النفط من دول غير صديقة''. وقد بدأ الحديث عن مصادر بديلة للطاقة يتخذ صيغة اللؤم ضد العرب في السنوات الأخيرة. ففي عام 2001، حذرت مجلة ''فورتشن'' الأميركية من مخاطر اعتماد الدول الصناعية على النفط المستورد من الدول العربية. إذ ان أميركا تستورد 60 في المئة من استهلاكها النفطي، وتستخدم نحو 25 في المئة من الانتاج العالمي، في حين لا تملك أكثر من 3 في المئة من الاحتياط النفطي المعروف. وقد جاء في مقالة ''فورتشن'' أن ''الله وضع النفط في بعض الأماكن الصعبة، وليس لنا خيار غير الذهاب إلى حيث يوجد النفط''، وتابعت أن تطوير وقود بديل ''سيسمح لنا بإرسال قبلة الوداع إلى شيوخ النفط''.
غير أن اللؤم لا يحلّ المشكلة. ولن يمكن حلها، بالتأكيد، عن طريق الوقود الحيوي. اذ أنه بغض النظر عن الآثار البيئية والغذائية المدمّرة لانتاجه، لن يكفي الوقود الحيوي الممكن إنتاجه في الولايات المتحدة لتلبية حاجة أكثر من 20 في المئة من السيارات على الطرقات الأميركية، هذا إذا تم استخدام كل طاقة إنتاج المزارع الأميركية من الذرة وفول الصويا لتصنيع الإيثانول، مع العلم أن الولايات المتحدة هي المنتج الأكبر في العالم لهاتين المادتين.
بدل أن يحقق انتاج الايثانول الحلم الخبيث بارسال ''قبلة الوداع إلى شيوخ النفط''، فهو وضع العالم على أبواب المجاعة. وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الشهر الماضي من أن تحقيق أهداف الألفية التي وضعت قبل ثماني سنوات، بتخفيض عدد الجياع إلى النصف مع حلول سنة 2015، أصبح حلماً بعيد المنال. والواقع أن استمرار الوضع على الوتيرة الحالية سيضاعف عدد الجياع ويهدّد الأمن والاستقرار في العالم. فارتفاع أسعار الطاقة يشجع على استخدام الحبوب لتصنيع الوقود الحيوي بدل استخدامها كمادة غذائية. وهذا سيفاقم المشكلة ويضاعف الأسعار ويعمم الجوع والفقر.
وإذا كان استخدام الوقود الحيوي أقل ضرراً على البيئة، فإن إنتاجه بلا قيود يؤدي إلى مخاطر جسيمة، كالقضاء على التنوع الحيوي في غابات الأمازون التي تتم تعريتها لزرعها بقصب السكّر والحبوب الصالحة لانتاج الوقود، وهدر الموارد المائية، وخسارة بلايين الأشجار التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون. وقد تم خلال الشهور الستة الأخيرة فقط تعرية أكثر من 300 ألف هكتار من غابات الأمازون لانتاج الايثانول.
التحليل الأكثر رصانة للموضوع جاء الشهر الماضي على لسان وزير النفط السعودي علي النعيمي، الذي حذر أمام منتدى باريس النفطي من مساوئ الايثانول والوقود الحيوي. ودعا الى ضرورة النظر في العلاقة المتبادلة بين الطاقة والمنتجات الغذائية، مشيراً الى أن مصادر الطاقة ''ينبغي أن تستخدم لزيادة الامدادات الغذائية وخفض كلفة انتاج الغذاء''، لا أن يُهدر الغذاء لانتاج طاقة مكلفة.
ولاحظ الوزير السعودي ان انتاج المواد الغذائية التقليدية مثل السكر وفول الصويا والذرة، لاستخدامها لوقود السيارات والشاحنات وحتى الطائرات، أدى الى ارتفاع أسعار هذه المواد. وقال إنه ''على رغم رواج الايثانول بقيت أسعار النفط مرتفعة''. وحذر من جعل سعر الايثانول، وهو منتج هامشي مرتفع الكلفة، سقفاً مصطنعاً لأسعار النفط العالمية بحكم الأمر الواقع الذي يمتد ليشمل سوق الطاقة العالمية.
اللافت في حديث النعيمي أنه أشاد بفائدة مصدر آخر للطاقة، هو الطاقة الشمسية التي تشكل ''مورداً وفيراً ومجانياً ومتاحاً للجميع، وهناك فرصة كبيرة لتوسيع استخداماتها لتشمل كل أنحاء العالم، لا سيما البلدان النامية، وجميع القطاعات والنشاطات الاقتصادية''. وكشف ان جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، التي ستبدأ الدراسة فيها في ايلول (سبتمبر) 2009، ستركز على دراسات الطاقة الشمسية وخفض انبعاث الكربون في استخدامات الوقود الأحفوري.
بمثل هذا الالتزام الواضح، نُرسل ''قبلة الوداع'' إلى ''شيوخ الايثانول''. |