كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
عالِم في مجلس كافور

نجيب صعب، العدد 118، كانون الثاني2008

 

 

هل يمكن أن تتقدم مجتمعات لا تقدّر علماءها؟ هذا السؤال ألحّ علينا مؤخراً، خلال مناسبات شهدناها في المنطقة العربية، كان يفترض أن تكون لعرض تقارير علمية ومناقشة سياسات وطنية واقليمية بناء على نتائجها، فكادت تتحول إلى لقاءات اجتماعية لا تتعدى حدود العلاقات العامة.

 

محمد العشري، العالم العربي المصري الكبير المقيم في الولايات المتحدة، والرئيس السابق لصندوق البيئة العالمي، وصاحب السمعة الطيبة الذائعة في أرجاء الدنيا، دُعي الشهر الماضي إلى تقديم نتائج تقرير التنمية البشرية، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الانمائي، في اجتماع لأحد المجالس الوزارية الاقليمية في القاهرة. وكانت المرة الأولى التي يتم فيها عرض التقرير المهم في العالم العربي، وهو يركّز هذه السنة على قضية تغيّر المناخ.

 

وقف العشري، بقامته العلمية والجسدية الطويلة على المنبر، وأعلن أنه سيقدم عرضه الشفهي بالانكليزية، يصاحبه النص بالعربية على شاشة كبيرة أُعدت خصيصاً لذلك، مع ترجمة فورية لمن يهمه الأمر.

 

واحد من ممثلي الدول، التي لم تشتهر باتقانها اللغة العربية، اعترض احتجاجاً، وهو ينفث دخان سجائره المتتالية حول طاولة الاجتماعات في القاعة المغلقة: ''كيف يُسمح لهذا العربي المصري الأصل أن يتحدث بالانكليزية في اجتماع عربي؟'' عبثاً حاول العشري، بتواضع العلماء، أن يشرح أنه أعد النص الشفهي باللغة الانكليزية لأنه يعتمد على أصل التقرير، وقام بترجمته إلى العربية لتسهيل متابعته على الشاشة، والاستماع إليه عبر الترجمة الفورية، وأنه يعتذر عن ضعف لغته العربية بعد عقود من الاقامة والعمل في الخارج. لكن الاستاذ صاحب السيجارة أصرّ على متابعة تلقين العشري دروس اللغة.

 

مندوب دولة أخرى علّق من الجانب المقابل للطاولة المستديرة أن لا حاجة للاستماع إلى عرض للتقرير، إذ أنه ''قديم وتم عرضه مرات عديدة سابقاً''. ويبدو أنه خلط هذا التقرير الجديد حول تأثير تغير المناخ على التنمية البشرية، مع تقارير عن مواضيع أخرى تم اعلانها خلال الشهور الماضية.

 

وسط هذا النقاش، كان العالم الكبير المتواضع، الآتي خصيصاً من واشنطن لمخاطبة الاجتماع، يستمع غير مصدّق لما يحصل. وبتواضع العلماء أيضاً، استجاب، وقدّم نتائج التقرير ارتجالاً، بما تيسّر له من ذاكرة للغة العربية، تاركاً ملاحظاته المكتوبة المعدَّة بدقة جانباً. وكان في التقرير أحدث المعلومات عن آثار تغيّر المناخ على المنطقة العربية، من المحيط إلى الخليج. فهل من يسمع؟

 

في صالة أحد الفنادق الكبرى، بعد ساعات على ''محنة'' العشري، وفي مكان ليس ببعيد، اجتمع مئات المدعوين حول طاولات الطعام، لحضور ''إطلاق '' تقرير حول وضع البيئة. هذه المناسبة كانت بالفعل إعادة تدوير لمجموعة ''إطلاقات'' سابقة للتقرير نفسه، الذي وُزّع ونُشر وأُعلن في مؤتمرات صحافية منذ عدة أسابيع. لكن ما جذب الجمهور إلى الحضور كان وعداً بحديث ونقاش مع الدكتور مصطفى كمال طلبه، رائد البيئة المصري العربي العالمي.

 

حضر أصحاب المعالي والسعادة فتصدّروا القاعة. بدأ الحفل بمجموعة من الكلمات الترحيبية والتقديمية المطولة، تلتها مجموعة أخرى من الخطب البروتوكولية، ما إن انتهت حتى كانت ساعة ونصف ساعة من الزمن قد انقضت. حتى هذه اللحظة، لم يكن الحضور قد سمعوا شيئاً ملموساً عن التقرير المزمع ''إطلاقه''.

 

قام أصحاب المعالي والسعادة مغادرين القاعة، إيذاناً بانتهاء المراسم البروتوكولية. بدأ اعلان النقاط الرئيسية في التقرير، وبعد الدقائق الأولى من فيلم تسجيلي عنه، ضج الحضور ضجراً، فتوقف العرض بلا انذار.

 

إثر ساعتين من المقدمات، ومن كلمات المديح الشخصي التي سبقتها، وكأن مجلس كافور بُعث حيّاً، كاد الناس ينسون أن بينهم عالماً هو الدكتور مصطفى كمال طلبه، هو بالذات من جاؤوا للاستماع إليه. وبتواضع العلماء، اعتلى طلبه المنبر، وقدم أدق المعلومات والتحاليل عن تحديات البيئة العربية، في حديث شائق أنسى الحضور محنة الساعتين السابقتين. وتجاوب الجمهور في حوار مفتوح لم يقلّ حرارة عن حديث طلبه.

 

من كل أصحاب المعالي والسعادة، وحده وزير الري والموارد المائية المصري الدكتور محمود أبو زيد بقي يستمع إلى الدكتور طلبه. هذا الوزير العالم يدرك أن المعرفة لا حدود لها، فيما يبدو أن الآخرين ختموا أبواب المعرفة.

 

بانتهاء اجتماع القاهرة، وفي غفلة عن أصحاب المعالي، غادر مصطفى طلبه الى أوسلو، لحضور حفل تسليم جائزة نوبل للسلام لآل غور واللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي، كضيف شرف، لأنه، كما جاء في الدعوة، عراب العمل البيئي الدولي، الذي كان قبل عشرين عاماً وراء تأسيس اللجنة الدولية للتغير المناخي.

 

عفواً محمد العشري. نعرف الآن لماذا تبقى مهاجراً، ولا نلومك. وشكراً مصطفى كمال طلبه، لأنك تقودنا في تحدّي جدار الجهل البيئي.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات