كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
صندوق الملك عبدالله للطاقة والبيئة وتغيّر المناخ مبادرة تضع العرب على خريطة العالم الحديث

نجيب صعب، العدد 117، كانون الأول 2007

 

 ما كاد العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز يعلن من على منبر قمة الدول المصدّرة للبترول (أوبك)، التي عقدت في الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، عن تخصيص 300 مليون دولار كنواة صندوق لأبحاث الطاقة والبيئة والتغير المناخي، حتى بادرت الكويت والامارات وقطر إلى المساهمة في الصندوق بمبلغ 150 مليون دولار لكل منها. وقد تعهّدت الدول المجتمعة، في ''اعلان الرياض'' الذي صدر في نهاية القمة، بالتزام ثلاثة مبادئ: تأمين الامدادات، واستقرار الأسعار، والحفاظ على البيئة. وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل شديد الوضوح حين أعلن في المؤتمر الصحافي الختامي للقمة التزام الدول النفطية بقضية حماية البيئة والتعامل الجدي مع تغيّر المناخ، ''لأننا جزء من هذا العالم، وما يصيبه يصيبنا''.

جاء هـذا التحول في موقف ''أوبك''، وعلى لسان زعيم أكبر دولة مصدرة للبترول، في الوقت المناسب. فبينما كانت قمة ''أوبك'' تفتتح أعمالها في الرياض، كان الأمين العام للأمم المتحدة يعلن، من مدينة فالنسيا الاسبانية، التقرير التحليلي الرابع للهيئـة الحكومية لتغيلار المناخ، بكلمات صريحة: المناخ حتماً يتغير، وعلى العالم العمل فوراً لمواجهة الكارثة. بعض المضاعفات الناجمة عن تغيّر المناخ لا يمكن تصحيحها، لكن يمكننا العمل لتخفيف أثرها والاعداد للتأقلم معها. مستوى البحار سيرتفع حتماً حتى 59 سنتيمتراً خلال هذا القرن، لكن هناك احتمالاً لحصول تغيّرات سريعة ومفاجئة قد تؤدي إلى ذوبان جبال الجليد وانهيارها في جزيرة غرينلاند في المنطقة القطبية الشمالية، مما يرفع البحر سبعة أمتار. احدى عشرة سنة من السنوات الاثنتي عشرة الماضية كانت الأكثر حرارة منذ بدء تدوين سجلاّت لدرجات الحرارة قبل 160 سنة. غازات الدفيئة، المسببـة لتغـيلار المناخ، وفي طليعتها ثاني أوكسيد الكربون، ازدادت بنسبة 80 في المئة بين 1970 و2004. ومن أكثر المناطق تأثراً حوض البحر المتوسط وشبه الجزيرة العربية.

 

قد لا يجد البعض في هذه الاستنتاجات جديداً، فقد قرأناها قبلاً في تقارير العلماء وعلى صفحات المجلات، ومنها ''البيئة والتنمية''. الجديد أنها اليوم تصدر باجماع عالمي لا يستثني أحداً. في مواجهة هذه الحقائق الدامغة، ماذا يفعل العرب للتأقلم مع النتائج الكارثية ومجابهتها، من ازدياد الجفاف وأثره على الزراعة، إلى تفاقم ندرة المياه العذبة، إلى أثر ارتفاع البحار على امتداد 18 ألف كيلومتر من الشواطئ العربية المأهولة؟

 

صحيح أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة من الوقود الأحفوري هي المسؤول الأول عن تفاقم ظاهرة تغيّر المناخ. لكن من الظلم تحميل الدول المنتجة للنفط المسؤولية عن هذا. فالنفط كان المحرك الرئيسي للنشاط الصناعي والتقدم الذي شهده العالم خلال العقود الماضية. وما رفع ''الطلب'' على النفط هو نهم الدول الصناعية إلى الطاقة لتحريك العجلة الاقتصادية، فكان من الطبيعي أن توفّر الدول المنتجة ''العرض'' الكافي لتأمين الاحتياجات. وهي أمّنت النفط، لعقود طويلة، بأسعار رخيصة تقلّ كثيراً عن قيمته الفعلية. وما نشهده اليوم من ارتفاع في سعر برميل النفط ما هو إلا تصحيح طبيعي. وقد كتبنا منذ سنوات ان السعر الحقيقي للبرميل، اذا أخذنا في الاعتبار القوّة الشرائية ومعدلات التضخّم والقيمة الاستراتيجية للنفط كمورد معرّض للنضوب، هو أقرب إلى مئتي دولار منها إلى مئة. وكنا اقترحنا في بداية التسعينات، في تقرير رفعناه بطلب من جهة عربية نفطية، حين بدأت الدول الأوروبية تتحدث عن ''ضريبة الكربون''، أن تطالب الدول المصدرة للنفط بحصة من هذه الضريبة لا تقل عن نصفها، بدل معارضتها بحجة أن لا اثباتات علمية على أن المناخ يتغيّر.

 

لقد أضاعت بعض الدول المصدّرة للنفط كثيراً من الوقت، حين خاضت معركة خاسرة، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، للتشكيك في الحقائق العلمية حول تغيّر المناخ ومسبباته. وإذا كان الأميركيون يريدون استمرار الحصول على امدادات رخيصة لتمويل العادات الاستهلاكية المفرطة، فليس للدول المصدّرة مصلحة في هذا. ذلك أنّ النفط سيبقى المصدر الأساسي للطاقة خلال العقود المقبلة، ومن الأفضل بيع مليون برميل بسعر مئة دولار للبرميل الواحد، بدلاً من بيع مليوني برميل بثلاثين دولاراً. أما الحجة التي عرضناها لطلب اقتسام ''ضريبة الكربون'' بين الدول المستهلكة والدول المصدّرة، فهي أنّ الدول المنتجة تحتاج الى هذا الدخل الاضافي لتطوير أساليب انتاج النفط بما يحافظ على البيئة، ناهيك عن احتياجاتها، وهي جميعاً دول في طور النمو، إلى تطوير مؤسساتها وتنمية شعوبها اقتصادياً واجتماعياً، ودعم جيرانها من الدول الفقيرة حفاظاً على الاستقرار الاقليمي.

 

لكن التقصير الفعلي كان من الدول الصناعية المستهلكة، التي تقاعست عن تطوير تكنولوجيات لاستخدام الطاقة بكفاءة، ومنع الهدر وتخفيف التلويث. فالتلويث ينتج في الأساس عن الذين لم يضعوا ضوابط على الطلب، وليس عن الذين أمنوا العرض للحفاظ على استقرار الأسواق. ومن الظلم، مثلاً، أن نجد دراسة عن الأثر البيئي للنفط، وقد وضعت دولة الامارات في طليعة البلدان الملوثة، بناء على حجم انتاجها النفطي، الذي تصدّر معظمه للاستهلاك الخارجي في الدول الصناعية، وليس بناء على استهلاك الامارات الداخلي.

 

المبادرة الشجاعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بانشاء صندوق لأبحاث الطاقة والبيئة والتغير المناخي، هي بداية الاستجابة الجدية لهذا التحدي. لكن هذه المبادرة لا تأتي من فراغ، بل هي استمرار لنهج جديد يعبّر عن نظرة متطورة تؤمن بضرورة استثمار دخل النفط في العلم والتكنولوجيا. ألم يطلق الملك عبدالله منذ أسابيع مبادرته لانشاء ''جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية''، برأسمال أولي يبلغ ألف مليون دولار؟ وقد بدأ العمل فعلاً لترى الجامعة النور سنة 2008.

 

وليست هذه مبادرة يتيمة في المنطقة العربية. فقبل شهور أعلن الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الامارات وحاكم دبي، عن عزمه إنشاء صندوق لدعم البحث العلمي برأسمال قدره عشرة بلايين دولار. وكانت أبوظبي قد أطلقت مبادرة ''مصدر''، لتطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة. وهذه خطوة ذكية، لأن العالم العربي كله غني أيضاً بمصادر الطاقة المتجددة، التي علينا المشاركة في تطوير تكنولوجياتها، لنكون شركاء فعليين، لا مستوردين في مستقبل قد لا يتعدى عقوداً قليلة.

 

إنها مجموعة من المبادرات التي، إذا ما نفذت بعناية، كفيلة بأن تضع الوطن العربي على خريطة العالم الحديث. وهي مبادرات فذة، تعبّر عن رؤيا خلاقة للمستقبل. لكنها يجب ألا تحجب ضرورة القيام بخطوات سريعة موازية لمعالجة بعض المعضلات البيئية العاجلة والملحّة. فتطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة يجب ألا يُنسي حكوماتنا ضرورة ترشيد استخدام الطاقة التقليدية، في مصانعنا وبيوتنا ومكاتبنا وسياراتنا. وتوسيع القدرات في تحلية مياه البحر يجب ألا يحجب ضرورة ترشيد استخدام المياه ووقف الهدر فوراً، خاصة في بعض دول الخليج التي يفوق استهلاك الفرد من المياه فيها جميع المعدلات العالمية. ناهيك عن وضع قيود على مواصفات ناطحات السحاب الزجاجية التي تنمو كالفطر وسط قيظ الصحراء، فتمتص حرارة الشمس لتضاعف احتياجات الطاقة للتبريد، بدلاً من استغلال الشمس كمصدر متجدد للطاقة. لا يجوز اهمال المشاكل الآنية الملحة، التي يمكن حلها بتدابير فورية، في انتظار نتائج المشاريع الكبرى.

 

لكننا اليوم على يقين أن العالم يتغيّر، ونحن نتغيّر معه... في الاتجاه الصحيح. ونحن نرى في هذه المبادرات الشجاعة استجابة لدعواتنا المتكررة إلى العرب بأن يتغيّروا، قبل أن يغيّرهم المناخ!

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات