نجيب صعب، العدد 116، تشرين الثاني 2007
أرفق البيت الأبيض تهنئته لآل غور بحصوله على جائزة نوبل للسلام بالتأكيد على أن ادارة الرئيس جورج بوش لن تعدّل سياستها بشأن تغير المناخ. لكن بوش نفسه كان قد أعلن قبل أسبوع قبول ادارته بنتائج التقرير الرابع للهيئة الدولية حول تغير المناخ، الذي أكد باجماع علمي أن النشاطات الانسانية هي السبب الرئيسي وراء التغيرات المناخية التي يشهدها العالم. وهذا كان الاعتراف العلني الأول من الادارة الأميركية أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الصناعة ووسائل النقل وتوليد الكهرباء هي المسبب الأول لتغير المناخ، لا العوامل الطبيعية. وإذا كانت هذه الحقيقة أصبحت من المسلّمات لدى معظم العلماء خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنها كانت موضع الخلاف الأساسي مع الادارة الأميركية حول الموضوع. وكان كبير المستشارين العلميين لهذه الادارة قد سبق الرئيس بوش بالاقرار، خلال صيف 2007، أن المناخ فعلاً يتغير والسبب يعود الى النشاطات البشرية.
إصرار الادارة الأميركية على أنها لن تعدّل في سياستها بشأن تغيّر المناخ ليس إلا نوعاً من المكابرة. فالكلام الأخير للرئيس بوش وكبير مستشاريه العلميين يتجاوز حدود التعديل البسيط إلى الانقلاب الكامل في المواقف. والطرفان الأساسيان اللذان فرضا هذا التغيير هما الهيئة الحكومية الدولية لتغيّر المناخ ونائب الرئيس الأميركي السابق آل غور. والاثنان تقاسما، عن جدارة، جائزة نوبل للسلام هذه السنة.
الهيئة الدولية لتغيّر المناخ قادت عمل 2500 عالم وباحث من 130 بلداً، وتوصلت في تقريرها الرابع، الذي صدر منذ شهور، إلى إجماع مبني على أسس علمية، من أن المناخ يتغير بسبب النشاطات البشرية. وقد توصل عمل الهيئة الى حقائق دامغة وضعت حداً للمشككين: فمنذ الثورة الصناعية، ازدادت تركيزات ثاني أوكسيد الكربون 25 في المئة وتضاعف غاز الميثان، وهما العنصران الرئيسيان وراء ظاهرة الاحتباس الحراري. المصدر الرئيسي لثاني أوكسيد الكربون هو احتراق الوقود الاحفوري، أما الميثان فيصدر من النشاط الزراعي وتحللال مكبات النفايات. والمطلوب واضح: إدارة رشيدة لاستخدامات الطاقة، التحولال إلى أساليب الانتاج والنقل الأنظف، ضبط الممارسات الزراعية، الادارة المتكاملة للنفايات.
تقرير الهيئة الدولية لتغيّر المناخ قال إن الفترة ما بين 1995 و2006 شهدت السنوات الاحدى عشرة الأكثر دفئاً منذ عام 1850. الكوارث الطبيعية تضاعفت نحو 400 مرة خلال مئة سنة. الأعاصير تضاعفت في قوتها ونمط حدوثها، وهذا يعود بنسبة 70 في المئة إلى ارتفاع حرارة سطح المحيطات. ويتوقع التقرير أن ترتفع الحرارة خلال القرن الحاضر بمعدل 4 درجات مئوية، لكنها قد تتجاوز 6 درجات.
هذا سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع في مستويات البحار خلال القرن تصل الى 60 سنتيمتراً. لكن هذا التقرير المحافظ، الذي يستند إلى اجماع أعضاء الهيئة، بناء على المعطيات العلمية الثابتة، لا يأخذ في الاعتبار الآثار المحتملة لذوبان صفائح الجليد القطبية، ما قد يضاعف التقديرات مرات عدة. هذا الكلام الواضح من علماء الهيئة الدولية وضع قضية تغيّر المناخ بقوة على جدول الأعمال العالمي، وحوّل النقاش من: ''هل يجب أن نفعل شيئاً'' إلى ''ماذا نفعل للتعامل مع الكارثة''.
أما آل غور فقد نجح، من خلال حملة عالمية واسعة، في خلق فهم أفضل لظاهرة تغيّر المناخ وضرورة اعتماد تدابير سريعة لوقفها، عن طريق تغيير جذري في أساليب استخدام الطاقة وتعديل في الأنماط الاستهلاكية عامة. وهو استطاع من خلال سلسلة المحاضرات بعنوان ''حقيقة مزعجة''، التي حولها إلى فيلم وثائقي حصل على ''الأوسكار''، أن يصل إلى عقول ملايين الناس ويثير مشاعرهم. وقد تركت حملة آل غور أثرها الأكبر في الولايات المتحدة نفسها.
البعض استغرب منح جائزة مخصصة للسلام لعمل بيئي. لكنها ليست المرة الأولى، إذ حصلت قائدة حملة التشجير في كينيا وانغاري ماتاي على الجائزة عام .2004 وإذا تأمّلنا في تأثيرات تغيّر المناخ، من فيضانات وجفاف وأمراض ومجاعة، ندرك ما قد تتسبب به من نزاعات بين سكان متكاثرين على موارد متناقصة. لذا فالبيئة هي في صميم قضية السلام، وبامتياز.
بعد دقائق من الاعلان عن حصوله على جائزة ''نوبل''، سألتني هيئة الاذاعة البريطانية عن رأيي في الاختيار، وهل يستحق آل غور الجائزة فعلاً؟ أجبت بشهادة عملية بسيطة: عرفت صديقي الأميركي بيل لاي منذ كان مديراً في شركة جنرال موتورز في جده ودبي قبل 25 سنة، وبعدهما في مصنع الشركة بمدينة روسلزهايم الألمانية. لم يكن ''بيل'' مهتماً بقضايا البيئة. وأذكر أنه نعتني بالجنون حين بدأت إصدار مجلة ''البيئة والتنمية''، وكنت لا أزال أنفّذ أعمالاً لشركة جنرال موتورز كمهندس معماري. فقد اعتبر العمل للبيئة مضيعة للوقت. قابلت بيل منذ شهور في نيروبي، وهو اليوم الرئيس التنفيذي لمصنع جنرال موتورز في العاصمة الكينية، أكبر منتج للسيارات في افريقيا. ''هل شاهدت فيلم آل غور؟''، سألني ولم ينتظر الجواب، إذ تابع: ''لقد غيّر حياتي وفتح عينيّ على حقائق مزعجة بالفعل. فقد بدأتُ خطة لتعديل أساليب الانتاج في مصنع نيروبي لتخفيف الانبعاثات وتقليل الهدر والنفايات. وعدّلت نمط حياتي الشخصية للتخفيف من هدر الطاقة والمياه. الآن أفهم لماذا تخليتَ أنت عن رفاهية الشركات الكبرى لخدمة البيئة''.
بيل لاي واحد من الملايين الذين غيّر آل غور حياتهم. وادارة جورج بوش كانت معقل التشكيك الأخير الذي يتهاوى أمام الحقائق العلمية التي أجمع عليها علماء الهيئة الحكومية الدولية لتغيّر المناخ.
العالم حقاً يتغيّر. ونريد أن نعتقد أنه سيتغير نحو الأفضل.
|