كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
البيئة في مهبّ البرامج الرئاسية

نجيب صعب، العدد 115، تشرين الأول 2007

قد يكون لون البشرة وفئة الدم والوزن وطول القامة عوامل أكثر أهمية في اختيار رئيس للجمهورية اللبنانية من البرنامج البيئي للمرشح. لكن على رغم ذلك، فقد خصص جميع الذين أعلنوا ترشحهم فقرات عن البيئة في برامجهم. وفي حين اقتصر موضوع البيئة عند البعض على جمال الطبيعة وفولكلور "مرقد العنزة"، فقد عرض البعض الآخر أفكاراً متطورة ربطت البيئة بالاقتصاد وادارة الموارد والمفهوم الأوسع للتنمية المستدامة. هذا التوجه يعكس نقلة نوعية في الحياة السياسية، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة العربية عامة، حيث لم يكن للبيئة من قبل أي مكان في عملية التنافس الديموقراطي، إذا وُجد أصلاً

بطرس حرب، أول من أعلن الترشح ببرنامج رئاسي، تحدث عن الانعكاسات الصحية للتدهور البيئي، الذي "يهدد طبيعة لبنان الجميلة ويلوث مياهه وبحره". وقال ان "الفساد والتقصير يحميان الاعتداء على البيئة... وحالة الضياع لانعدام الرؤيا البيئية دفعت السلطة إلى ارتجال تدابير بحجة الدفاع عن البيئة، أدت إلى الاضرار باللبنانيين من دون أن تساهم في الحل". وأعطى مثلين على هذا هما منع السيارات العاملة على المازوت وفوضى التدابير المتعلقة بتنظيم عمل المقالع، من دون أن يحدد من المتضرر ومن المستفيد. يكاد الاستاذ حرب يحصر المسألة البيئية في آثار التلوث على الصحة وجمال الطبيعة، مع غياب كامل للشأن الاقتصادي وإدارة الموارد وعلاقة البيئة بالتنمية. لكنه في ختام الفقرة البيئية لبرنامجه يحاول التعويض عن هذا بالتأكيد على ضرورة "إيلاء الشأن البيئي الأولوية والأهمية القصوى، ووضع سياسة بيئية واضحة وخطة طويلة الأمد تهدف أولاً إلى وقف الانهيار وتؤسس لمعالجة الأخطار". انه وعد جميل، يتطلب تنفيذه توسيعاً لمفهوم الادارة البيئية الحديثة وكثيراً من التفاصيل.

وفي حين لم ينشر ميشال عون برنامجاً رئاسياً، الا أن للبيئة حيزاً مهماً في برامج التيار الذي يرأسه، كما في أحاديث كثيرة له. ففي حديث صحافي قال عون ان لديه برنامجاً "يتناول كل قطاعات البيئة... أولاً سنتطرق إلى التنظيم المدني الهمجي، والتلوث الذي يشمل الهواء والماء والأرض... وازالة التلوث عن الشواطئ... ومعالجة النفايات المنزلية، وتحريج الغابات". وعن تنظيم العمل البيئي، دعا عون إلى "التكامل وتحويل قضية البيئة الى ورشة شعبية، لأن هذا العمل يهم الكل وليس الدولة فقط، بل أيضاً المؤسسات غير الحكومية والمتطوعين". ووصف وزارة البيئة بأنها "وزارة بامتياز، لكنهم أذلوها واستضعفوها"، مطالباً وسائل الاعلام المرئية بتخصيص ساعات محددة للثقافة البيئية، ومركزاً على "النظافة والصحة واستخدامات المياه". ودعا البرنامج السياسي الذي أصدره "التيار الوطني الحر" عام 2005 الى "خطة شمولية لحماية البيئة تتقاطع مع الوزارات المعنية المختلفة". ويلفت في برنامج عون وضعه التنظيم المدني وتحديد استعمالات الأراضي في طليعة الاهتمامات البيئية، واعتباره وزارة البيئة "وزارة بامتياز". وبهذا يؤسس لمنطلق صحيح في التصدي لمشاكل البيئة اللبنانية.

روبير غانم، الذي يستمر في الترشح بناء على برنامج وضعه عام 2004، يتحدث تحت عنوان "ثقافة التربية البيئية" بعبارات مقتضبة، إذ يطالب بوضع "الآليات اللازمة من خلال التشريعات للحفاظ على جمال الطبيعة والحد من التلوث وأضرار النفايات". وبعد أن يؤكد على أهمية إدارة الموارد المائية، يدعو إلى تشجيع "استخدامات الطاقة البديلة". كلها مواضيع مهمة، بلا شك، لكنها تبقى في نطاق الجزئيات. فالمطلوب في برنامج رئاسي أن يحدد الاستراتيجيات والخطط والعناوين الكبرى بمنهجية علمية، لا اختيار بعض العبارات اللمّاعة على نحو انتقائي.

الأستاذ الجامعي شبلي ملاّط ضمّن برنامجه الرئاسي الكثير من الأفكار الاكاديمية لفلسفة البيئة. لكنه على المستوى العملي دعا الى "إدخال البيئة كمؤشر أساسي في المعادلة الاقتصادية"، واقترح تشكيل "كتيبة خضراء" من عناصر الجيش والقوى الأمنية للقيام "بحملات بيئية تحقق تغييراً نوعياً في مناظرنا الطبيعية". وهنا عَوْدٌ على بدء، فمع أن ملاّط يستفيض في عرض الخلفيات الفلسفية ونظريات رعاية البيئة، ويعدد عناوين مشاكل بيئية، إلا أنه يعود دائماً إلى النمط الشائع في مناجاة جمال الطبيعة. لكن أفكاره البيئية تبقى الأشمل من الناحية النظرية، مع جمعه مقترحات من تقارير نشرت خلال السنوات الأخيرة.

لعل برنامج نسيب لحود هو البرنامج الرئاسي الوحيد الذي يعرض بشمول ووضوح لقضية البيئة في مفهومها الحديث. وفيه أن "البعد البيئي يشكل التحدي الأكبر للتنمية المستدامة... وهو يضاهي أهمية الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في بلد صغير ومزدحم سكانياً مثل لبنان، حيث تُعتبر طبيعته ومواردها الرئيسية، من ماء وهواء وتربة ومساحات خضراء، بمثابة رأسمال حقيقي يُفترض حمايته وادارته واستثماره لحفظ ديمومته للأجيال الآتية أيضاً".

ويعدّد نسيب لحود بعض الأولويات البيئية: "إن تشجيع استخدام الطاقة المتجددة والزراعة البيولوجية وحماية الثروة المائية ونوعية المياه والسياحة البيئية الاجتماعية غير التقليدية والنقل المستدام وتأمين الأمن الغذائي وحماية المستهلك وحسن ادارة الغابات ومعالجة المخلفات والنفايات الصلبة والسائلة، قد تكون من أهم الميادين التي يمكن للبنان أن يبني فيها ميزات تفاضلية وتنافسية، نظراً لمقوماته الطبيعية. فالشروع بسياسات تزاوج البيئة مع المفهوم التجاري الحديث يضع لبنان في موقع ريادي في المنطقة قد يصعب عليه ربما استرجاعه في بعض القطاعات الكلاسيكية. بالاضافة الى ضرورة وضع استراتيجية للتنمية المستدامة واصدار المراسيم التطبيقية والتنظيمية لقانون البيئة، وإقرار المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية وخطة وطنية لاستصلاح الأراضي والتخطيط العمراني، وتطبيق مرسوم دراسة وتقييم الأثر البيئي للمشاريع قبل إطلاق أي مشروع، وتقديم حوافز للمؤسسات التي تدخل العنصر البيئي في صلب عملية الانتاج".

نحن هنا أمام رؤيا واضحة للأولويات ومفهوم الادارة البيئية، وعلاقتها بالتنمية، والأبعاد الاقتصادية، وأدوات التطبيق، وهي تصلح كمقدمة فصل البيئة في البيان الوزاري لحكومة العهد الجديد الموعود، مع إضافة بعض التفاصيل.

المهم أن جميع المرشحين الذين أعلنوا برامج رئاسية تحدثوا عن البيئة، وأجمعوا على ضرورة وضعها في أولويات اهتمامات الحكومة. وما قاله أيّ من المرشحين الذين أعلنوا برامجهم يكفي كمنطلق لعمل بيئي جدي. وما أعلنوه يصلح لأن يكون مادة مساءلة في المستقبل، يستطيع البيئيون الاستناد إليها لمحاسبة أي منهم إذا أصبح رئيساً للجمهورية. لكن لون البشرة وفئة الدم وطول القامة، كما قلنا، قد تكون أهم في اختيار الرئيس من البرنامج البيئي. وإذا كان بين النواب الناخبين من يقرأ البرامج الرئاسية، فقد يكون الوعد بتشريع استفادة الازلام والعائلة والحاشية من المقالع والكسارات ولو على رؤوس كل الجبال، والسماح ببناء ناطحات سحاب خلافاً للقانون فوق كل السطوح، وفتح الشواطئ العامة للنهب الخاص، أكثر إغراءً من وعود رعاية البيئة.

على رغم هذا كله، يبقى إدخال البيئة كعنصر رئيسي في برامج جميع المرشحين المعلنين ظاهرة صحية فريدة في المنطقة العربية، وقد تكون أكثر ما يدعو إلى التفاؤل في هذا الزمن الرديء.

أما على أرض الواقع، فنأمل من أطراف التنافس، إذا اختلفوا غداً على نصاب أو مرشح، أو لم يعجبهم رئيس منتخب، ألا ينسوا وعودهم البيئية، فيمنعوا أنصارهم من الاحتجاج الهمجي باقفال الطرقات وتلويث الهواء بسموم اطارات المطاط المحروقة... ناهيك عن إطلاق المفرقعات إذا فرحوا بالنتيجة.

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات