نجيب صعب، العدد 112-113، تموز/آب 2007
حين نشرت مجلة ''البيئة والتنمية'' في صيف 2005 تحقيقاً عن مستويات التلوث على الشاطئ اللبناني، كنا ننتظر أن يبادر المسؤولون إلى اتخاذ اجراءات فورية، أقلها منع السباحة في المواقع التي تشكل خطراً على الصحة العامة، تمهيداً لعلاج المسببات. غير أننا فوجئنا بافتتاح رسمي لستة مسابح شعبية صيف 2005، أربعة منها تقع على بعض أكثر الشواطئ تلوثاً، عدا عن منتجعات خاصة ''فخمة'' لم تنبه روادها من التلوث على الشواطئ المحاذية لها.
الفحوص على عينات المياه، التي جمعها فريق ''البيئة والتنمية'' من 15 مسبحاً ونشرت نتائجها الشهر الماضي، أظهرت أن السبب الرئيسي للتلوث الذي يمنع السباحة في موسم 2007 ما يزال المحتوى البكتيري المرتفع، بفعل مصبات المجارير التي يتم تصريفها في البحر بلا معالجة. أما التلوث النفطي من حرب الصيف الماضي، فقد تم احتواء معظمه ولم يعد يشكل خطراً على السابحين.
وبما أن مستويات التلوث البكتيري الناجم عن تصريف المجارير تتفاوت وفق توقيت فتح المصبات واتجاه التيارات، فالفحوص السنوية أو حتى الشهرية لا تكفي. المطلوب، في مواقع التلوث الدائم أو العرضي المتكرر، إجراء فحوص أسبوعية وتعميمها مع نشرات الطقس، لتنبيه السابحين. وهذا يقع على عاتق الجهات الرسمية. المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي يصدر تقريراً عن جودة مياه الشواطئ قبل كل موسم اصطياف. وقد صدر التقرير الأخير لموسم 2007 الشهر الماضي، نتيجة رصد لنوعية المياه في 288 محطة مراقبة، فأظهر أن 21 منها غير مطابقة للمواصفات، ومنع السباحة في تسعة شواطئ تعاني تلوثاً شديداً.
المركز الوطني لعلوم البحار، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، ينفذ منذ 25 عاماً برنامجاً لفحص الشواطئ، يتضمن اختبارات شهرية في 21 موقعاً. نتائج هذا البرنامج تستخدم لأغراض البحث العلمي، وهو نطاق عمل المركز، إذ ليس من اختصاصاته تعميم نتائج أبحاثه على الجمهور. غير أنه يمكن تكليف المركز من الجهات الرسمية المعنية بتطوير برنامجه لمراقبة الشواطئ، ليتم نشرها أسبوعياً خلال موسم السباحة، وشهرياً خلال بقية السنة.
وقد يكون من المناسب التذكير بأن البيان الوزاري لحكومة الرئيس رفيق الحريري عام 2000 تضمن إنشاء ''المؤسسة الوطنية للبيئة''، كهيئة مختصة هدفها إجراء الدراسات والبحوث والمراقبة الدائمة لنوعية الهواء والمياه العذبة والبحر والتراب ومصادر التلوث، بالتعاون مع مراكز البحث العلمي والجامعات. وحدد البيان الوزاري هدف هذه المؤسسة بنقل قضايا البيئة من التقديرات إلى العلم، للمساعدة في وضع السياسات البيئية على أسس سليمة. وأذكر للتاريخ أن الرئيس الحريري دعاني إلى اجتماع في مكتبه مع وزير البيئة آنذاك، عقب حصول الحكومة على الثقة، لبحث سبل انشاء المؤسسة الوطنية للبيئة. فتحفظ الوزير على فكرة المؤسسة، لأنه رأى فيها انتقاصاً من صلاحيات الوزارة. وأشرت في حينه إلى أن موازنة وزارة البيئة في هولندا تضاعفت عدة مرات بعد إنشاء مؤسسة علمية للبيئة، لأنها رفدت الوزارة بمعلومات راسخة مكنتها من اقناع الحكومة الهولندية بزيادة مخصصات البرامج البيئية أضعافاً. وهذا ينطبق على جميع الدول التي تبنت سياسات بيئية جدية.
تذكرت هذا وغيره من أحلام المشاريع لوطن متحضر يحترم البيئة، حين كنت أراجع نص التحقيق عن البحر بعنوان ''أين تسبح على شواطئ لبنان صيف ''2007، في وقت كان اللبنانيون يتساءلون عما إذا كانوا سيتمكنون من الذهاب إلى أعمالهم أو مدارسهم صباح اليوم التالي. فكان أول ما قمت به أن بدّلت العنوان إلى: ''هل تسبح على شواطئ لبنان صيف 2007؟'' فقد لا يكون التلوث البيئي السبب الوحيد الذي يمنع اللبنانيين من التمتع بالشاطئ والبحر هذا الموسم.
لكننا سنبقى نحلم، لأنه بعد كل الحروب والنزاعات والمعارك السياسية، لا نريد أن نصحو على بيئة دمرناها بأيدينا، ولن يمكن معالجتها في أية جلسات حوار.
الحقيقة أن هناك شواطئ لبنانية كثيرة ما زالت صالحة للسباحة. فتحدّوا هذا الجو القاتل، وتمتعوا بما تبقّى من شواطئ نظيفة... واحلموا!
|