البيئة العربية: تغير المناخ
التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية "أفد" 2009
أثر تغير المناخ على البلدان العربية
مقدمة
النتائج والاستنتاجات الرئيسية
نجيب صعب ومصطفى طلبه
الأرض كوكب صالح للسكنى بفضل مجموعة من الأوضاع الملائمة للمعيشة. ومناخ الأرض يساعد على الحياة لأن تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وعلى الأخص ثاني أوكسيد الكربون، تحبس جزءاً من ضوء الشمس المنعكس بعيداً عن سطحها، مما يعطي الكوكب دفئاً معتدلاً. لكن هذا يتغير. فمنذ الثورة الصناعية، أدت النشاطات البشرية ـ وعلى الخصوص استعمال الوقود الأحفوري وأنماط استخدام الأراضي والزراعة وزوال الغابات ـ الى ازدياد تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما تسبب في ارتفاع معدل درجات الحرارة. ومقولة أن المناخ يتغير فعلاً باتت الآن حقيقة مقبولة عالمياً. حتى أن المعارضين القلائل الذين ما زالوا ينكرون أن تغير المناخ هو من صنع الانسان يوافقون على أنه يحدث، لكن كمظهر من دورة طبيعية.
بحلول العام 2007 أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهي الهيئة العلمية العليا التابعة للأمم المتحدة التي أنيطت بها المسألة، بدرجة عالية من الدقة، أن أسباباً بشرية تكمن وراء معظم زيادات درجات الحرارة العالمية التي تمت ملاحظتها. فقد ازدادت تركيزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي من نحو 280 جزءاً في المليون في عصر ما قبل التصنيع الى نحو 430 حالياً. أما على مستوى 550 جزءاً في المليون، الذي يمكن بلوغه في وقت مبكر لا يتعدى سنة 2035، فقد يرتفع معدل درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين. وبموجب سيناريو التجاهل (business-as-usual)، فإن مخزون غازات الدفيئة يمكن أن يتعدى ثلاثة أضعاف مع نهاية القرن، ما يجعل نسبة احتمال ارتفاع الحرارة أكثر من 5 درجات مئوية خلال العقود المقبلة تصل الى 50 في المئة على الأقل. ونطاق هذه الزيادة يمكن أن توضحه حقيقة أن المناخ هو حالياً أدفأ 5 درجات مئوية مما كان عليه في العصر الجليدي الأخير، الذي ساد منذ أكثر من عشرة آلاف سنة.
وقد ازداد مقدار الكربون المحتجز في المحيطات، مما يتسبب في زيادة تدريجية لكن مطردة في الحموضة التي تهدد النظم الايكولوجية البحرية. كما يتسبب ارتفاع درجات حرارة المياه في ابيضاض كثير من الشعاب المرجانية. وازدياد معدل درجات الحرارة أدى بشكل مطرد الى ذوبان الجليد في المناطق القطبية وكذلك الأنهار الجليدية في أنحاء العالم. وارتفاع حرارة مياه المحيطات قد يجعل مستوى البحار يرتفع بمقدار يصل الى 59 سنتيمتراً بحلول سنة 2100 حسب تقديرات تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لسنة 2007، أو حتى بمقدار يصل الى 5 أمتار اذا ما أُخذ في الحسبان ذوبان جزء من الصفيحة الجليدية في القارة المتجمدة الجنوبية.
وتتكهن الهيئة بأن 20 الى 30 في المئة من الأنواع سوف ينقرض اذا ارتفع معدل درجات الحرارة أكثر من درجة مئوية واحدة، ما لا يمكن تجنبه فعلياً. ومن المتوقع أيضاً أن تنشأ أحداث وتغيرات مناخية متطرفة.
ويرى عدد من الدراسات الحديثة أن تقديرات التقرير التقييمي الرابع الذي أصدرته الهيئة عام 2007 كانت متحفظة كثيراً، وأن التوقعات يجب أن تُعدَّل لتعكس تأثيرات أقوى. فعلى سبيل المثال، كانت انبعاثات الدول النامية تنمو بسرعة أكبر كثيراً مما كان يُعتقد سابقاً، ومن المتوقع الآن أن تتجاوز انبعاثات الدول المتقدمة بحلول سنة 2010. نقطة التقاطع هذه كانت متوقعة من قبل لسنة 2020 أو حتى لما بعدها. والتوقعات المرجعية لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الصين، الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية (IEA)، على سبيل المثال، تم تنقيحها نحو الأعلى بين عامي 2000 و2007. وفي أيلول (سبتمبر) 2009 توصل علماء أميركيون الى دليل بأن سماكة الصفيحة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية انخفضت بنسبة 53 في المئة منذ عام 1980، ما يخلق امكانية لارتفاع مستويات البحار بشكل أسوأ مما هو متوقع.
كريستوفر فيلد، وهو عضو أميركي رئيسي في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومدير مؤسس لدائرة الايكولوجيا العالمية لمعهد كارنيغي في جامعة ستانفورد، قال في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم في شباط (فبراير) 2009 إن وتيرة تغير المناخ تفوق التوقعات، لأن الانبعاثات منذ العام 2000 فاقت التقديرات التي استعملت في تقرير الهيئة للعام 2007. اللورد نيكولاس ستيرن قال أيضاً في العام 2008 إن التقرير الذي أعده عام 2006 لمصلحة الحكومة البريطانية حول التأثيرات الاقتصادية لتغير المناخ، والذي أيد اتخاذ اجراءات قوية وفورية، لم يعط المشكلة حجمها الحقيقي. وأكد: "نحن قللنا تقدير الأخطار... وقللنا تقدير الأضرار المرتبطة بالزيادات في درجات الحرارة... وقللنا احتمالات الزيادات في درجات الحرارة".
إن تحدي تغير المناخ هو تحدٍ عالمي في أسبابه وفي حلوله على حد سواء. وهو شامل من حيث أن معظم النشاطات البشرية تساهم في المشكلة، وسوف تتأثر أيضاً بتأثيراتها.
وانبعاثات غازات الدفيئة هي مثال كلاسيكي على ما يسميه الاقتصاديون "مظهراً خارجياً": التكاليف يشعر بها الجميع حول العالم، وليس فقط الأفراد أو البلدان المسؤولة عن الانبعاثات. والضرر المرتبط بتغير المناخ لا يوزع تناسباً وفقاً للانبعاثات، إذ إن العبء يتقاسمه أيضاً أولئك الذين يساهمون فيه بمقدار أقل. وكمشكلة اضافية، فإن الأضرار الأكثر خطراً لن تلحق بأجيال الحاضر وإنما بأجيال المستقبل، الذين ليس لديهم صوت قوي على طاولة المفاوضات.
وأخيراً، هناك الجانب الموقت للمشكلة. فتكاليف تخفيف تغير المناخ والتكيف معه سوف يتم تكبدها على الفور، بينما الفوائد ستكون في شكل أضرار مستقبلية يتم العمل لتفاديها، وهذه يصعب تحديد مقدارها. وبكلمات أخرى، يجد السياسيون أن من الصعب تبرير التكاليف الفورية للحصول على فوائد مستقبلية.
لكن النتائج الاقتصادية للتقاعس ضخمة، إذ يقدَّر أن مقابل كل ارتفاع في معدل درجات الحرارة العالمية مقداره درجة مئوية واحدة، ينخفض النمو الاقتصادي بما بين 2 و3 في المئة. ويقدر الاستطلاع الاقتصادي والاجتماعي العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة سنة 2009 تكاليف التخفيف والتكيف بواحد في المئة من الناتج الاجمالي العالمي (WGP)، وهذه نسبة صغيرة بالمقارنة مع تكاليف وأخطار تأثيرات تغير المناخ. "واذا لم يتخذ اجراء أو تأخر من خلال الاستمرار في سيناريو التجاهل الحالي، أو حصل تغيير هامشي فقط، فإن الخسارة الدائمة للناتج الاجمالي العالمي المتوقع يمكن أن ترتفع كثيراً لتبلغ 20 في المئة". هذه الأرقام سوف تقزِّم خسائر الانهيار الاقتصادي خلال عامي 2008 و2009. والمعضلة هي أن الشعور بتأثيرات تغير المناخ سوف يكون أكثر حدة في البلدان النامية، التي تمتلك القدرة الأقل على التغلب على المشاكل والتكيف معها، تكنولوجياً ومالياً. وهذا يجعل نقل التكنولوجيا وتخصيص البرامج المالية الملائمة ضروريين لأي اتفاقية عالمية أو اجراء فعال للتعامل مع تغير المناخ.
السؤال لم يعد ما اذا كان تغير المناخ يحدث أم لا. السؤال الآن هو كيف سيبدي تغير المناخ نفسه للعيان اقليمياً ومحلياً، وما الذي يمكن فعله بشأنه. بالنسبة الى الحكومات، القضية الرئيسية هي موازنة النمو الاقتصادي على المدى القريب مع التنمية المستدامة على المدى البعيد. وهناك عامل معقد هو الشك العلمي المحيط بتغير المناخ: التأثيرات الصحيحة لتغير المناخ ومواقعها لا يمكن التكهن بها بدقة مثالية، كما لا يمكن التكهن تماماً وبدقة بما يسمى "حدود الخطر"، أي الحدود التي يتعذر بعدها وقف التغيرات المناخية.
لكن تقرير "أفد" هذا يرى أن تحدي تغير المناخ يجب معالجته كأي قرار آخر يُتخذ في مواجهة الشك: ادارة مخاطر أو نظام تأمين. وباستخدام مبدأ التأمين، ما دامت هناك أرجحية كافية لحدوث ضرر جوهري، نتخذ اجراء وقائياً مدروساً تكون تكاليفه مبرّرة تماماً. والمطلوب هو تقييم صادق لمستوى التأمين الذي يعتبر ضرورياً للوقاية ـ مع مقدار مقبول من الشك ـ ضد تأثيرات تغير المناخ. والشك ليس عذراً للتقاعس، ويجب ألا يكون كذلك.
وكما ذكر سابقاً، تتطلب محاربة تغير المناخ بفعالية جهداً عالمياً جماعياً. وتقسيم المسؤوليات ـ "مسؤوليات مشتركة لكن متفاوتة"، بحسب اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) ـ يصطدم بقضايا العدالة. كيف يجب توزيع المسؤوليات المختلفة بانصاف؟ من دون الاجابة عن هذا السؤال بشكل ملائم، فان أي اتفاقية تتعلق بتغير المناخ لن تكون مقبولة ولا مستدامة. وفي الوقت ذاته، فان أي اتفاقية مقبولة ومستدامة تتعلق بتغير المناخ يجب أن تكون فعالة أيضاً. ويجب أن تكون مقبولة من الجميع ومحترمة من الجميع وطموحة بشكل وافٍ ومرنة بما يكفي للتكيف مع المعلومات العلمية والتكنولوجية المتغيرة.
وفيما يؤيد هذا التقرير وجهة النظر القائلة بأن البلدان المتقدمة يجب أن تكون في طليعة الجهد العالمي المتعلق بتغير المناخ، يجب على البلدان النامية أيضاً أن تؤدي دورها. وفضلاً عن ذلك، وفيما لجميع البلدان حق مشروع في التنمية الاقتصادية، فهذا يجب ألا يتعارض بالضرورة مع استراتيجيات خفض الانبعاثات. وبمساعدة البلدان المتقدمة، يجب على البلدان النامية أن تكون قادرة على خفض كثافة انبعاثاتها الكربونية لوضعها على مسار يفضي الى تنمية مستدامة. وهذا يجب تحقيقه من خلال آليات فعالة لتحولات واستثمارات تكنولوجية ومالية، في اتفاقية ملزمة قانونياً.
استباقاً للمفاوضات التي ستجري في كوبنهاغن، من الواضح أن البلدان النامية مترددة في التقيد بأي التزامات تضع قيوداً جوهرية على نموها الاقتصادي. وهي تشير الى مسؤولياتها ذات الأولوية المتعلقة بتوفير فرص عمل ومستويات معيشة أفضل لشعوبها.
وفي الوقت ذاته، لن تقبل البلدان المتقدمة، وعلى الخصوص الولايات المتحدة، اتفاقية تتعلق بتغير المناخ يُسمح فيها لمطلقي الانبعاثات الكبار بين البلدان النامية بالاستمرار في التنمية القائمة على التجاهل. يجب أن يكون هناك أخذ وعطاء بين المجموعتين المتقدمة والنامية.
منذ "مؤتمر الأطراف" الناجح في بالي في كانون الأول (ديسمبر) 2007، تحقق تقدم قليل في المفاوضات المتعلقة باتفاقية لما بعد 2012 حول تغير المناخ. وتدعو خطة العمل / خريطة الطريق الصادرة في بالي الى هدف بعيد المدى لخفض الانبعاثات العالمية وتنفيذ اجراءات تخفيفية من قبل البلدان المتقدمة والبلدان النامية. واضافة الى التخفيف، فهي تشمل أيضاً التكيف وتعرية الغابات والتعاون التكنولوجي والتمويل. ومع الاقتراب السريع لمؤتمر كوبنهاغن، توقفت المفاوضات وكان هناك اتفاق محدود أو لا اتفاق على الاطلاق بشأن هذه القضايا.
الخلاف ليس فقط بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، بل أيضاً بين البلدان المتقدمة نفسها. فقمّتا مجموعة الثماني (G8) في عامي 2008 و2009 وافقتا على خفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 50 في المئة بحلول سنة 2050، وعلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء العالم بما لا يتعدى درجتين مئويتين. والبلدان النامية لا تريد أن تدعم هدفاً عالمياً خوفاً من أن تطالب بقبول أهداف متوسطة تؤدي الى الهدف الخاص بسنة 2050. إلى ذلك، هناك خلاف بين البلدان المتقدمة حول تقاسم عبء خفض الانبعاثات على المدى القريب. فالاتحاد الأوروبي قادر على الالتزام بخفض نسبته 20 في المئة بحلول سنة 2020 عن مستويات عام 1990، ويمكنه الذهاب الى 30 في المئة اذا تقيد الآخرون بالالتزام ذاته. وعلى نحو مماثل، سوف تخفض اليابان انبعاثاتها بنسبة 25 في المئة بحلول سنة 2020 عن مستويات عام 1990. ومن جهة أخرى، سوف يؤدي التشريع الأميركي، إذا أصبح قانوناً، الى خفض الانبعاثات بنسبة 17 في المئة بحلول سنة 2020 عن مستويات عام 2005.
كثيرون أملوا أن يستطيع قادة العالم، الذين اجتمعوا في نيويورك في 22 أيلول (سبتمبر) 2009 في إطار قمة عالمية حول تغير المناخ، دفع الأمور الى الأمام كما فعلوا عام 2007 قبل اتفاقية بالي. لكن هذه الآمال تبخرت. وفي خطاب إثر خطاب، تحدث رؤساء الدول ورؤساء الوزارات عن أهمية وإلحاح مجابهة تغير المناخ، لكنهم أحجموا عن تقديم تفاصيل لما هم مستعدون للقيام به في مؤتمر كوبنهاغن وما بعده.
وفيما يعتقد البعض أن التوصل الى اتفاقية قوية ما زال ممكناً، بدأ آخرون يتحدثون عن "إعلان سياسي" بدلاً من اتفاق تام. هذا الاعلان سوف يثني على الاجراءات التي تتخذها البلدان أو تخطط لاتخاذها بما يخدم مصالحها (مثل كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة)، فيما تستمر المفاوضات.
المساهمة الضئيلة للاقليم العربي في تغير المناخ من خلال انبعاثات غازات الدفيئة المحدودة الصادرة عنه، وهي أقل من 5 في المئة من الرقم العالمي، تقزّمها ضخامة تعرض الاقليم لتأثيرات تغير المناخ. والبلدان العربية لها مصلحة خاصة في الدفع بقوة للوصول الى اتفاقية قوية تشمل تشكيلة من التدابير الصارمة لتخفيف تغير المناخ والتكيف معه والأهم من ذلك ضمان مساعدة مالية وتقنية للذين يحتاجونها لتحقيق أهدافهم.
والحكومات العربية، كدلالة على رغبتها بالمشاركة في الجهود العالمية للحد من تغير المناخ، يمكنها التشديد على تطوير تكنولوجيات الطاقة النظيفة، خصوصاً في ضوء وفرة موارد الطاقة المتجددة المتاحة في العالم العربي، وبالتحديد طاقة الشمس والرياح والمياه. وأخيراً، فيما تتطلع البلدان العربية الى مفاوضات كوبنهاغن في كانون الأول (ديسمبر) 2009، من المجدي أن تبذل جهدها لصياغة موقف موحد حول القضايا الرئيسية التي على المحك.
جهود تخفيف تغير المناخ
على البلدان العربية، رغم أنها لا تساهم بشكل رئيسي في انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، أن تباشر جهوداً تخفيفية كجزء من جهد عالمي. ويظهر استعراض للتقارير الوطنية العربية المرفوعة الى اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ والمشاريع والمبادرات الحالية أن كثيراً من البلدان العربية تنفذ في الواقع مجموعة من السياسات والتدابير الصديقة للمناخ، تشمل اجراءات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي هي من صنع البشر، فضلاً عن اجراءات لتعزيز "خزانات الكربون"، خصوصاً الغابات.
ومن الأمثلة المحددة في العالم العربي استخدامات طاقة الرياح على المستوى التجاري في مصر، واستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتسخين المياه في فلسطين وتونس والمغرب، واعتماد الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل في مصر، وأول مشاريع الطاقة الشمسية المركزة في مصر وتونس والمغرب والجزائر، وأول مجلسين عربيين للأبنية الخضراء في الامارات ومصر، وبرنامج التحريج الضخم في الامارات، والمدينة الأولى الخالية تماماً من الكربون (مصدر) في أبوظبي، والمشروع الرائد لاحتجاز الكربون وتخزينه في الجزائر، واعتماد اعفاءات من الرسوم والضرائب في الأردن لتشجيع استعمال السيارات الهجينة (هايبريد). لكن غالبية هذه المبادرات مجزأة ولا يبدو أنها تنفذ كجزء من اطار سياسي شامل على المستوى الوطني، ناهيك عن المستوى الاقليمي. وفي تطور واعد بشكل خاص، اختارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، التي تم تأسيسها حديثاً، مدينة مصدر في أبوظبي مقراً لها. ولا تنحصر أهمية هذا الخيار في انعكاسه على العالم النامي برمته، بل يؤمل أن يفضي أيضاً الى أبحاث جوهرية واستثمارات في الطاقة المتجددة في الاقليم العربي.
ويمكن أيضاً تحسين التعاون بين البلدان العربية، وذلك، على سبيل المثال، في مجالات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، واستعمال الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل، والاستثمار في احتجاز الكربون وتخزينه. ونظراً لأهمية صناعة الوقود الاحفوري في الاقليم العربي، فإن للبلدان العربية مصلحة خاصة في المساعدة على تطوير تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه للمساعدة في مقايضة الانبعاثات نتيجة استعمال الوقود الأحفوري. وفي النهاية، اذا كان ممكناً جعل هذه التكنولوجيا قابلة للاستمرار بالشكل الكافي، فهي ستكون جزءاً مهماً من استراتيجيات الحد من تغير المناخ العالمي. وبما أن الوقود الأحفوري سوف يبقى جزءاً مهماً من مزيج الطاقة في أي سيناريو مستقبلي، فإن احتجاز الكربون وتخزينه هو مجال مهم يجب على العلماء العرب العمل عليه كما يجب تكريس الموارد لدعم تطويره.
نظرة الجمهور الى تغير المناخ
أجرى المنتدى العربي للبيئة والتنمية استطلاعاً لاستكشاف درجة الوعي بتغير المناخ لدى الجمهور العربي، وقدرته على فهم الحاجة الى اتخاذ اجراءات، ورغبته في المساهمة في تدابير تخفيف تغير المناخ والتكيف معه.
وقد أظهرت نتائج الاستطلاع تزايداً في الوعي، إذ تبين أن 98 في المئة يعتقدون أن المناخ يتغير، ويعتبر 89 في المئة أن ذلك ناتج من نشاطات بشرية. ويرى 51 في المئة أن الحكومات لا تفعل ما يكفي للتصدي للمشكلة، بينما يعتبر 84 في المئة أن تغير المناخ يشكل تحدياً خطيراً لبلدانهم. ويعتبر أكثر من 94 في المئة أن بلدانهم سوف تستفيد من المشاركة في جهد عالمي للتعامل مع تغير المناخ، بينما تعهد 93 في المئة بالمشاركة في عمل شخصي لخفض مساهمتهم في المشكلة. ولدى الطلب من المشاركين أن يختاروا القطاعات التي سيكون لتغير المناخ تأثير كبير عليها في بلدانهم، تبين أن أحداً منهم لم يقل إنه لن يكون هناك تأثير البتة. وأعطت الغالبية على المستوى الاقليمي أولوية للصحة ومياه الشرب وانتاج الغذاء، تلتها المناطق الساحلية. وطُلب أيضاً من الذين شملهم الاستطلاع أن يختاروا الاجراءات الثلاثة الأكثر أهمية لتخفيف أسباب تغير المناخ والتكيف مع تأثيراته. وكان تغيير الأنماط الاستهلاكية، وفي الدرجة الأولى خفض استعمال الطاقة، الاجراء الرئيسي الذي تم اختياره، تلاه التعليم والوعي. وأتت المصادقة على المعاهدات الدولية وتنفيذها في المرتبة الثالثة.
المشاركون في استطلاع "أفد" أبدوا رغبة واضحة بأن تشارك حكوماتهم وتتعاون استباقياً للتوصل الى حل لمشكلة تغير المناخ. ويبدو أن الجمهور العربي مستعد لقبول جهد وطني واقليمي ملموس للتعامل مع تغير المناخ ولكي يكون جزءاً منه. أما المواقف المشككة التي سادت لدى بعض المجموعات حول حقائق تغير المناخ وأسبابه، سواء التي تنكرها بالكامل أو تحصرها بأسباب طبيعية، فهي تتراجع. وتظهر نتائج الاستطلاع بوضوح أن تقاعس الحكومات لم يعد خياراً.
تغير المناخ في العالم العربي: التأثُّر والتكيُّف
المناطق الساحلية
المناطق الساحلية في الاقليم العربي ذات أهمية بالغة. ويبلغ الطول الاجمالي للسواحل العربية 34 ألف كيلومتر، منها 18 ألف كيلومتر مسكونة. كما أن غالبية المدن الكبرى والنشاط الاقتصادي في الاقليم هي في المناطق الساحلية. وتقع الأراضي الزراعية الخصبة الفسيحة في مناطق ساحلية منخفضة مثل دلتا النيل، كما تعتمد النشاطات السياحية الشائعة على أصول بحرية وساحلية مثل الشعاب المرجانية والأنواع الحيوانية المرتبطة بها.
البلدان العربية كل على حدة سوف تتأثر بشكل متفاوت في ظل توقعات متنوعة لارتفاع مستويات البحار المتعلق بتغير المناخ. وتعتبر قطر والامارات والكويت وتونس الأكثر تعرضاً من حيث كتلتها البرية: سوف يتأثر واحد الى ثلاثة في المئة من أراضي هذه البلدان بارتفاع مستوى البحار متراً واحداً. ومن هذه البلدان، تعتبر قطر الأكثر تعرضاً الى حد بعيد: ففي ظل توقعات مختلفة لارتفاع مستويات البحار، يرتفع الرقم من قرابة 3 في المئة من الأراضي (متر واحد) الى 8 في المئة (3 أمتار)، وحتى الى أكثر من 13 في المئة (5 أمتار).
وبالنسبة الى تأثير ارتفاع مستويات البحار، فإن اقتصاد مصر هو الأكثر تعرضاً الى حد بعيد: مقابل ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، يكون أكثر من 6 في المئة من ناتج مصر المحلي الاجمالي في خطر، وهذه النسبة ترتفع الى أكثر من 12 في المئة مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار. وقطر وتونس والامارات معرضة أيضاً، اذ أن أكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لكل منها هو في خطر مقابل ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وهذه النسبة ترتفع الى ما بين 3 و5 في المئة مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار.
وفي ما يتعلق بالقطاع الزراعي، سوف تكون مصر الأكثر تأثراً بارتفاع مستويات البحار. فأكثر من 12 في المئة من أفضل الأراضي الزراعية في دلتا النيل هي في خطر من ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وتزداد هذه النسبة دراماتيكياً الى 25 في المئة (مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار)، وحتى الى 35 في المئة تقريباً (في أقصى سيناريو لارتفاع مستويات البحار البالغ 5 أمتار).
صحة البشر
بدأ العلماء يدركون بشكل متزايد أن تغير المناخ يشكل عامل خطر ناشئاً على صحة البشر. وستكون لعدد من تأثيراته المتوقعة تداعيات سلبية على الصحة. والتأثيرات الصحية قد تكون مباشرة، كما في الأحداث المناخية المتطرفة كالعواصف والفيضانات وموجات الحر، أو غير مباشرة كالتغيرات في نطاقات ناقلات الأمراض (مثل البعوض) ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه ونوعية المياه ونوعية الهواء وتوافر الغذاء ونوعيته. وعلاوة على ذلك، ستكون التأثيرات الصحية الفعلية مختلفة باختلاف البلدان العربية، وذلك وفقاً للأوضاع البيئية المحلية والظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومدى الاجراءات الاجتماعية والمؤسساتية والتكنولوجية والسلوكية المتخذة.
وقد أظهرت الأبحاث المحدودة التي أجريت في البلدان العربية أن تغير المناخ يؤدي دوراً مهماً في تفشي الأمراض المُعدية التي تحملها الناقلات، مثل الملاريا والبلهارسيا (مصر، المغرب، السودان). وهو يؤثر أيضاً على التركيزات الموسمية لبعض المواد المثيرة للحساسية في الغلاف الجوي، ما يسبب ردود فعل مثيرة للحساسية وأمراضاً رئوية (لبنان، السعودية، الامارات)، ويفاقم تأثير موجات الحر على صحة الجمهور، خصوصاً في البلدان العربية التي تعاني من مناخات صيفية حارة.
ومن المتوقع أن تصبح موجات الحر أكثر شدة وأكثر تكراراً وأطول مدة نتيجة تغير المناخ. وقد تناول عدد من الدراسات في الاقليم معدلات الوفيات المرتبطة بالحر، ووُجدت بشكل متناغم علاقة جوهرية بين درجة الحرارة ومعدل الوفيات.
وقد تمّت على نطاق واسع دراسة العلاقة بين الأمراض المُعدية ـ التي تقتل عالمياً ما بين 14 و17 مليون فرد كل سنة ـ والأوضاع المناخية. فالملاريا، مثلاً، التي تصيب نحو 3 ملايين فرد في الاقليم العربي كل سنة، قد تصبح أكثر انتشاراً لأن ارتفاع درجات الحرارة يخفض مدة احتضان المرض ويمدد مجال البعوض الناقل للملاريا ويزيد تكاثره.
هناك عدد من تأثيرات تغير المناخ التي تمت مناقشتها بشكل غير مباشر في أجزاء مختلفة من هذا التقرير، قد يكون لها أيضاً تشعبات صحية. فعلى سبيل المثال، قد يؤثر ارتفاع مستويات البحار والفيضانات الساحلية على الأمن الغذائي ويؤدي الى سوء تغذية ومجاعة، وقد يفاقم انخفاض المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة شح المياه، ما يزيد تأثيره السلبي على صحة البشر. من الضروري، إذاً، أن تكون النظم الصحية في العالم العربي متكيفة ومستعدة للاستجابة لعواقب تغير المناخ.
المياه العذبة
المياه شحيحة في أنحاء الاقليم، حيث الموارد المائية المتاحة أدنى من 1000 متر مكعب للفرد سنوياً في جميع البلدان العربية باستثناء العراق ولبنان وسورية. وعلى رغم أن الاقليم العربي يحتل 10 في المئة من الكوكب، فهو يحوي أقل من 1 في المئة من موارد المياه العذبة في العالم. والتأثيرات المتوقعة لتغير المناخ في الاقليم العربي، خصوصاً ازدياد درجات الحرارة وانخفاض المتساقطات المعرضة لمزيد من الاضطراب، من شأنها أن تفاقم حالة التأثر الحرجة أصلاً، وتلقي حتى بمزيد من الضغط على موارد المياه العذبة المحدودة. إن كمية الموارد المائية العذبة ونوعيتها في خطر. وارتفاع معدلات النمو السكاني في الاقليم وارتفاع معدل الاستهلاك الفردي للمياه العذبة يجعلان المشكلة مزمنة ويفاقمان تأثيرها، إذ أن نحو 80 في المئة من الموارد المائية العذبة مكرسة للزراعة.
ومن المتوقع أن يؤثر تغير المناخ على تدفق الأنهار، ما قد يسبب نواقص مائية (في حال انخفض هطول الأمطار) أو فيضانات (في حال حدوث ازدياد دوري في هطول الأمطار). والأنظمة المائية في البلدان النهرية سوف تؤثر أيضاً على البلدان العربية التي تعتمد على أنهار تنبع من تلك البلدان، مثل العراق وسورية ومصر والسودان.
وتشمل تدابير التكيف التي أوصى بها تقرير "أفد" تغيير الأنماط الزراعية، وتبني تقنيات الاقتصاد بالمياه، واعتماد ادارة متكاملة للموارد المائية، وتطوير أنواع جديدة من المحاصيل تكون أكثر تكيفاً مع ارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة، ومباشرة تكنولوجيات مستحدثة لتحلية المياه المالحة. وأخيراً، على البلدان العربية أن تعيد النظر في توزيع المياه على نشاطات انمائية مختلفة بناءً على كفاءة استعمال المياه، ممثَّلة بالانتاج لكل متر مكعب من المياه بدلاً من الانتاج لكل وحدة مساحة من الأرض، أي الارتقاء باستعمال المياه، خصوصاً في الزراعة، الذي يعطي حداً أقصى من العائد الاقتصادي لكل وحدة حجم من المياه.
انتاج الغذاء
الأمن الغذائي في العالم العربي كان منذ وقت طويل خاضعاً لضغوط بيئية واقتصادية واجتماعية. وحالات الجفاف السائدة، والموارد المائية المحدودة، والأنماط الزراعية المضطربة، والرعي المفرط، والنمو السكاني، وانخفاض مستويات المعرفة والتكنولوجيا، تؤثر جميعاً على نظم انتاج الغذاء في الاقليم.
النظام الزراعي السائد في معظم البلدان العربية هو الزراعة البعلية المعتمدة على هطول الأمطار. لذلك، فإن الانتاجية الزراعية السنوية والأمن الغذائي يرتبطان الى حد بعيد بالتقلبات السنوية للمتساقطات. وتغير المناخ قد يزيد تقلبات هطول الأمطار وبذلك يزيد حالات حدوث جفاف.
وقد يكون للتغيرات المناخية المتوقعة آثار كارثية على الانتاج الزراعي في العالم العربي. وكما أظهر عدد من الدراسات، فإن ازدياد درجة الحرارة يسبب ارتفاعاً كبيراً في كميات المياه اللازمة للمحاصيل الصيفية. ومن المتوقع أن يزداد شح المياه في الاقليم العربي، ولذلك فإن الزراعة معرضة بدرجة كبيرة لتغير المناخ، مع خطر انخفاض انتاج الغذاء 50 في المئة اذا استمرت الممارسات الحالية، بما لهذا من آثار كارثية على الأمن الغذائي.
ما هي السياسات التي قد تساعد على تكيف القطاع الزراعي في العالم العربي مع تغير المناخ؟ يوصي هذا التقرير الصادر عن "أفد" بأن تنويعات المحاصيل والأسمدة والري وغيرها من ممارسات ادارة المياه يجب أن تعدل، حسب اللزوم، في ضوء امكانات التعرض للتغيرات المناخية. كما يجب تحسين المعلومات حول التقلبات المناخية والتوقعات المناخية الموسمية بغية خفض الخطر الذي يتعرض له الانتاج.
السياحة
السياحة مهمة لعدد من الاقتصادات العربية. لكنها، مثل معظم قطاعات النشاط الاقتصادي، تتعرض لتأثيرات تغير المناخ.
جاذبية المقصد السياحي تعتمد بدرجة كبيرة على المناخ، لكن من الواضح أن عدداً من العوامل الأخرى مهم أيضاً. وباستعمال مؤشر للعوامل المناخية المتنوعة، فإن "مؤشر الراحة السياحية" يقيس درجة المتعة المناخية في موقع معين. لكن مع تغير المناخ، تتغير هذه العوامل. فعلى سبيل المثال، سوف تتمدد الأراضي الجافة في الاقليم العربي، متحركة شمالاً في شمال افريقيا.
"مؤشر الراحة السياحية" قد ينخفض في العالم العربي خلال العقود المقبلة. ومعظم المناطق المصنفة حالياً بأنها "جيدة" و"جيدة جداً" و"ممتازة" سينخفض تصنيفها إلى ما تحت المقبول بحلول سنة 2080، حيث تقع الملامة على تغير المناخ. وكثير من التغيرات المناخية المتوقعة في العالم العربي سوف تؤثر على جاذبية المقاصد السياحية العربية. ومن الأمثلة على ذلك ارتفاع حرارة فصول الصيف، وموجات الجفاف، والأحداث المناخية المتطرفة، وشح المياه، وتدهور النظم الايكولوجية.
والشعاب المرجانية هي مفاتن سياحية مهمة لمصر والأردن. لكنها، في الوقت ذاته، معرضة الى أبعد الحدود للتغيرات المناخية، التي تحدث نتيجة ازدياد درجات الحرارة وارتفاع حموضة المحيطات، مما يساهم في ابيضاض الشعاب المرجانية. كما أن تآكل الشواطئ يشكل خطراً على جاذبية المناطق الساحلية. والشواطئ الرملية الضيقة المنخفضة سوف تتأثر الى حد بعيد، وسوف يصبح كثير منها غير مناسب لمرتادي البحر.
مستقبل السياحة العربية يعتمد على الطريقة التي قد يتكيف بها هذا القطاع مع تغيرات المناخ. فالتنمية السياحية في المستقبل يجب أن تأخذ التغيرات المتوقعة في الاعتبار، من خلال التخطيط المتكامل والشامل، مثل وجود قواعد توجيهية أوضح تتعلق بالمسافة المسموح بها بين المنشآت الدائمة والخط الساحلي. ويجب استكشاف خيارات لسياحة بديلة وأكثر استدامة تكون أقل تأثراً بالمتغيرات المناخية، مثل السياحة الثقافية والتراثية. أخيراً، يجب تطوير المزيد من المراكز السياحية الداخلية والصحراوية، كبديل عن الشواطئ المعرضة للفقدان.
البنى التحتية
من المتوقع أن يؤثر تغير المناخ بشكل كبير على البنى التحتية في أنحاء العالم العربي. فالبنية التحتية للنقل معرضة عموماً لزيادات متوقعة في شدة وتكرار الأيام الحارة، وهبوب العواصف، وارتفاع مستويات البحار. والبنى التحتية في المناطق الساحلية معرضة على الخصوص لارتفاع مستويات البحار والعواصف القوية المحتملة. وهذه الأخطار تبلغ ذروتها في مصر والبحرين والامارات.
وسوف تتأثر موثوقية نظم امداد المياه بتضاؤل الامدادات المائية العذبة وارتفاع معدل درجات الحرارة. وتتعرض شبكات المياه المبتذلة على الخصوص لأحداث هطول أمطار مفرطة في فترات قصيرة، وارتفاع مستويات البحار. وتوليد الطاقة سوف يعوقه ارتفاع درجات الحرارة المحيطة التي ستخفض كفاءة التوربينات الغازية وقدرتها، وتخفض كفاءة التبريد في المعامل الحرارية. وسوف تصبح شبكات نقل الطاقة وتوزيعها أكثر عرضة للأعطال، إذ تغدو الأحداث المناخية المتطرفة أكثر تكراراً.
ما الذي يجب فعله؟ يجب تعزيز البنى التحتية كي تتحمل تغير المناخ، وتحديث المعايير والعمليات التصميمية كي تأخذ ذلك في الاعتبار، كما يجب استخدام تكنولوجيات جديدة، واشراك الجمهور في عملية صنع القرار.
التنوع البيولوجي
كثير من الأنواع النباتية والحيوانية في العالم العربي تواجه أصلاً تهديدات لبقائها، وسوف يتفاقم تعرضها نتيجة التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ. وعدد الأنواع في العالم العربي منخفض أصلاً بحسب المقاييس العالمية، والقساوة العامة للمناخ الحار تجعل الاقليم معرضاً على الخصوص لخسارة جوهرية للأنواع. وباستخدام معايير التهديد لدى الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، يتبين أن لدى اليمن العدد الأكبر من الأنواع النباتية المهددة، إذ تبلغ 159 نوعاً، بينما لدى كل من السودان والصومال 17 نوعاً.
ولدى جيبوتي ومصر والأردن والمغرب والسعودية والصومال والسودان واليمن مجتمعةً أكثر من 80 نوعاً حيوانياً مهدداً، وتأتي مصر في رأس القائمة إذ لديها 108 أنواع. وقد يعدِّل تغير المناخ البنية الحيوانية للنظم الايكولوجية برمتها.
وتنوع الطيور ذخر رئيسي للعالم العربي، وهو مهدد جداً نتيجة تغير المناخ. وتقع بلدان عربية كثيرة على مسارات مهمة لهجرة الطيور. وتؤوي جيبوتي وموريتانيا والبحرين، على الخصوص، ملايين الطيور المهاجرة ومستعمرات كبيرة للتكاثر.
والأنواع الفريدة المحصورة في مجال موئلها، أو التي وصلت الى حافة قدراتها على التحمل الايكولوجي، هي الأكثر عرضة لتغير المناخ. وتشمل هذه الموائل في الاقليم العربي أشجار المنغروف في قطر وغابات الأرز في لبنان وسورية وجزر جيبوتي ومستنقعات (أهوار) العراق وسلاسل الجبال العالية في اليمن وعُمان والأنهار الكبيرة، وهي النيل (مصر والسودان) ودجلة والفرات (العراق وسورية) واليرموك (سورية والأردن).
والعالم العربي، ككيان جغرافي مترابط، يجب أن يطور وينفذ آليات اقليمية لتنسيق النشاطات في هذا المجال. والتبدل في مجالات تواجد الأنواع وتأثيرات الأحداث المتطرفة غالباً ما يحدث على نطاقات اقليمية. لذلك فإن استراتيجية فعالة لتغير المناخ يجب أن تشمل آليات لتنسيق جهود الحماية على المستوى الاقليمي عبر الحدود السياسية ونطاق سلطة الهيئات المختصة.
ملاحظات ختامية
إن امكانات التعرض للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ في الاقليم العربي كبيرة، والقدرات والجهود الحالية غير كافية، والاستراتيجيات الفعالة لتخفيف تغير المناخ والتكيف معه مطلوبة بإلحاح. وكون مساهمة الاقليم في المشكلة صغيرة نسبياً لا يعني أن غض النظر السياسي والديبلوماسي هو خيار مقبول. فالبلدان العربية هي من الأكثر تعرضاً للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ بسبب امكانات تأثرها الحالية، خصوصاً شح المياه وموجات الجفاف المتكررة.
لقد وجد هذا التقرير المنذر بالخطر أن لا عمل ينفذ فعلياً لجعل البلدان العربية مستعدة لتحديات تغير المناخ. ولم تتضح أي جهود جماعية لجمع المعلومات وإجراء البحوث في ما يتعلق بتأثيرات تغير المناخ على الصحة والبنى التحتية والتنوع البيولوجي والسياحة والمياه وإنتاج الغذاء. ويبدو أن هناك تجاهلاً تاماً للتأثير الاقتصادي. ونادراً ما توجد سجلات موثوقة للأنماط المناخية في الاقليم. وهذا يسلط الضوء على الحاجة الى معلومات وأبحاث مناخية عالية الجودة، حيث أن التوقعات المناخية الاقليمية ضرورية للتخطيط وإدارة المخاطر. يجب أن تفرض على المباني والمنشآت والبنى التحتية معايير تأخذ تغير المناخ في الاعتبار. ومن الضروري التعجيل في تَبنّي سياسات حكومية تروج للسلع والخدمات القليلة الكربون والكفوءة، واعتماد ادارة مستدامة للموارد الطبيعية وحماية السواحل. كما يجب اشراك القطاع الخاص من خلال تقديم حوافز ملائمة لتنفيذ حلول فعالة.
ويرى هذا التقرير أن التكيف، في حالة البلدان العربية، سوف يوفر فوائد محلية على المدى القريب ويؤمِّن، كناتج ثانوي، حلولاً فورية لمشاكل عربية متأصلة لا يسببها بالكامل تغير المناخ، مثل الجفاف وشح المياه وتلوث الهواء.
هناك عدد من المبادرات الواعدة في الاقليم العربي: شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) تبني مدينة مستحدثة نظيفة الطاقة وخالية تماماً من الكربون، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (KAUST) في السعودية تم تأسيسها كمركز للتفوق يعنى خاصة بدراسات الطاقة، وهما تجسيد مثالي لتحويل دخل النفط الى تكنولوجيا المستقبل. وهناك أيضاً مبادرة الاقتصاد العربي الأخضر التي أطلقها المنتدى العربي للبيئة والتنمية، للمساعدة في التحول إلى نشاطات اقتصادية سليمة بيئياً. من الضروري أن تصبح هذه المبادرات جزءاً من خطة انمائية متكاملة كبيرة ومستدامة.
لقد أصدر مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة اعلاناً شكل نقطة تحول عام 2007، متبنّياً الاجماع العلمي الذي توصلت اليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي وافقت على أن ازدياد درجات الحرارة كان سببه في الدرجة الأولى نشاطات بشرية. وعبَّر الوزراء عن "عزمهم أن يسعوا جاهدين الى تحقيق" أهداف عدة، منها: تبني خطط عمل وطنية وإقليمية للتعامل مع قضايا تغير المناخ لتقييم تأثيراتها المحتملة، ووضع برامج التخفيف والتكيف، وترويج انتاج واستخدام الوقود الأنظف، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في جميع القطاعات، وتنويع مصادر الطاقة وفقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة، والتوسع في استخدام تقنيات الانتاج الأنظف والتقنيات الصديقة للبيئة، والتوسع في استخدام الحوافز الاقتصادية لتشجيع استخدام المنتجات الأكثر كفاءة. وفي سياق التكيف، ركز الاعلان على توفير البنية التحتية اللازمة للحد من المخاطر المتوقعة، بما في ذلك تحسين كفاءة ادارة الموارد الطبيعية باستخدام نظم الرصد والمراقبة والانذار المبكر وإقامة مراكز لأبحاث ودراسات المناخ.
هذا الاعلان الشامل للنيات يشكل الأساس للعمل الذي يجب أن يشمل أهدافاً وخططاً تنفيذية محددة ضمن اطار زمني محدد. التأخير لم يعد خياراً، خصوصاً وسط مفاوضات حاسمة سوف تحدد الوضع الدولي تجاه تغير المناخ طوال حقبة ما بعد كيوتو.
إن التحديات التي يواجهها العالم العربي نتيجة تغير المناخ ضخمة. لكن ما زال في الامكان الخروج من النفق المظلم، اذا أقدمت الدول العربية على خطوات سريعة وفعالة. التجاهل لم يعد خياراً. |