الاقتصاد الأخضر يخلق الوظائف
بقلم نجيب صعب
عدم توافر وظائف لائقة كان من المطالب الرئيسية التي دفعت المواطنين إلى الشوارع والساحات. وقد وجد التقرير الذي أصدره المنتدى العربي للبيئة والتنمية مؤخراً أن التحول إلى اقتصاد أخضر يساعد في خلق فرص عمل دائمة. لكن ذلك يتطلب التحول من "الاقتصاد الافتراضي" السائد، المبني أساساً على المضاربة في الأسواق العقارية والمالية، إلى "اقتصاد واقعي" يركز على الإنتاج المستدام، الذي وحده يمكن أن يحمي الرأسمال الطبيعي ويولد وظائف طويلة الأجل.
لقد تبنت البلدان العربية نماذج جريئة للنمو الاقتصادي، لكن هذا لم ينعكس إيجاباً في المسائل الاجتماعية والبيئية. الفشل لم ينجم بالضرورة عن معوقات طبيعية، بل كان أساساً نتيجة خيارات سياسية غير ملائمة. وما برحت الاستثمارات في المنتجات السلعية الاستخراجية المخصصة لأسواق التصدير تطغى على استراتيجيات التنمية العربية. وتتطلب هذه الصناعات استثمارات أولية مرتفعة، لكنها تنتج مستويات عمالة منخفضة. وعلى رغم أن هذا النموذج يولد نمواً مرتفعاً في الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يجعل الاقتصادات العربية أكثر تأثراً بتقلبات الأسواق العالمية، في حين يخفق في خلق فرص عمل جديرة بالاعتبار. ويشكل انعدام تنوع المداخيل سبباً رئيسياً للضعف البنيوي للاقتصادات العربية.
يبلغ معدل البطالة في البلدان العربية حالياً نحو 10 في المئة، وهو أعلى بكثير من المعدل في البلدان النامية، ويصل إلى 18 في المئة في بعض البلدان. ويبلغ معدل البطالة بين الشباب أكثر من 25 في المئة، أي ضعفي المعدل العالمي، ويصل إلى 40 في المئة في بعض البلدان. ويشكل الشباب العاطلون عن العمل أكثر من 70 في المئة من إجمالي البطالة في مصر والأردن وموريتانيا واليمن. فهل تستطيع الاقتصادات العربية، وفق هيكليتها الحالية، خلق فرص للساعين إلى ايجاد 50 مليون وظيفة مطلوبة خلال العقد المقبل؟
لماذا عجزت الاقتصادات العربية عن توفير فرص عمل مضمونة للساعين إليها، علماً أن كثيرين من العاطلين عن العمل متعلمون؟ هناك عدة أسباب، من أهمها: عدم قدرة البلدان العربية أو عدم رغبتها منذ سبعينات القرن العشرين في تنويع اقتصاداتها، انخفاض مستويات الانفاق على الأبحاث والتطوير التي هي المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي وخلق وظائف جديدة، غياب سوق اقتصادية إقليمية، السعي إلى استثمارات في السلع والصناعات المسرفة في استهلاك الطاقة مثل البتروكيماويات والألومنيوم، التي تتطلب استثمارات أولية مرتفعة لكنها تولد مستويات عمالة منخفضة. ناهيك عن انعدام الاستثمارات في البنية التحتية الخضراء، مثل النقل العام والطاقة المتجددة والزراعة المستدامة، والسعي إلى تحقيق ثروات وأرباح سريعة على حساب التقدم الاجتماعي والبيئي. ومن أبرز العوامل المعيقة لخلق فرص عمل حقيقية إرساء "دولة رفاه" في بعض البلدان، توزع التقديمات بسهولة، مع ما ينتج عنها من انعدام آداب العمل الجدي المنتج.
التحول إلى الاقتصاد الأخضر يمكن أن يؤثر إيجاباً على فرص العمل في عدة قطاعات في البلدان العربية، أبرزها، خارج دول الخليج، الزراعة. فخلال العقدين الماضيين، هبطت حصة قطاع الزراعة في القوة العاملة في المنطقة العربية من 44 في المئة إلى 29 في المئة. ومن شأن زيادة نسبة العاملين في القطاع الزراعي في القوة العاملة إلى 40 في المئة أن يولد أكثر من عشرة ملايين وظيفة جديدة. ومن المتوقع أن يحقق التحول إلى الممارسات الزراعية المستدامة في البلدان العربية توفير ما بين 5 و6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحدود 114 بليون دولار سنوياً، نتيجة ازدياد إنتاجية الماء وحماية الموارد البيئية. لكن هذا يتطلب تحويل النمط السائد من عمال زراعيين أميين وغير نظاميين ومهمشين إلى عمال متعلمين ومهرة يحظون بظروف عمل نظامي وضمانات.
ويعمل أقل من ثلاثة ملايين شخص في المنطقة العربية في قطاع الطاقة، يمثلون نحو ثلاثة في المئة من إجمالي القوة العاملة. وإذا تم استثمار 100 بليون دولار سنوياً في الطاقة المتجددة، فمن المتوقع أن يولد ذلك نحو 565 ألف فرصة عمل جديدة. وإذا انخفض معدل الاستهلاك الفردي للكهرباء في البلدان العربية إلى المعدل العالمي، من خلال إجراءات كفاءة الطاقة، فسوف يولد ذلك مدخرات بمقدار 73 بليون دولار سنوياً. وإذا انخفض دعم أسعار الطاقة بنسبة 25 في المئة، فسوف يحرر ذلك أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال إلى تحسين كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة الخضراء، ما يخلق ملايين فرص العمل.
كما أن تخفيضاً في دعم أسعار المياه والطاقة سوف يزيل أحد الاضطرابات الرئيسية التي تعاني منها السوق، ويوفر مبرراً اقتصادياً للأبنية الخضراء في قطاع السكن. ونتيجة لذلك، فإن ترويج ممارسات البناء الأخضر سوف يكون له تأثير عميق ليس فقط في التحول الحضري المستدام، بل أيضاً في معدلات العمالة. ويقدر أن إنفاق 100 بليون دولار لتخضير 20 في المئة فقط من الأبنية القائمة حالياً في البلدان العربية على مدى السنوات العشر المقبلة يتوقع أن يخلق 4 ملايين وظيفة جديدة.
وفي قطاع إدارة النفايات، قُدرت الاحتياجات الاستثمارية في البلدان العربية خلال السنين العشر المقبلة بأكثر من 21,6 بليون دولار سنوياً. ويساهم تطوير إدارة خضراء للنفايات الصلبة البلدية في خلق فرص عمل، ويحفز الطلب على المنتجات والنظم والخدمات في قطاعات أخرى مثل الزراعة والتصنيع والانشاء وتحويل النفايات إلى طاقة والمعالجة والنقل والبيع بالتجزئة والخدمات الاحترافية. وتؤدي زيادة معدلات إعادة تدوير النفايات إلى دفق كبير للوظائف المستقرة الجديدة، بمعدل أكبر 10 إلى 20 مرة من خيارات الطمر والحرق.
إن اتباع أجندة اقتصاد أخضر هو فرصة لإعادة نظر في السياسات العامة السائدة في البلدان العربية. ولما كان نقص المعرفة في المعالجات والمواد والخدمات الخضراء من العوائق الرئيسية للتحول الأخضر للصناعات، لذا يجب وضع برامج لإعادة تدريب العمال في جميع القطاعات. ويجب إعادة الاعتبار والاحترام للوظائف المنتجة، وتوفير الشروط الأساسية للعمل بكرامة. وكما أثبتت التطورات الأخيرة في البلدان العربية، فإن الاستدامة لا يمكن أن تكون مقايضة بين الحرية والكرامة من جهة والاستقرار من جهة أخرى.
الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية. وهو كان تحدث حول الوظائف الخضراء في مؤتمر منظمة العمل الدولية في كيوتو، اليابان 2011.
|