كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
كتابات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
50 عاماً على مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية ـ 2 خفايا الاتفاقيات البيئية: من الأوزون إلى المناخ

نجيب صعب، الشرق الأوسط، 3/6/2022

يُختتم اليوم في عاصمة السويد مؤتمر "استوكهولم +50"، احتفالاً بمرور نصف قرن على "مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية"، الذي نتج عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب). بعد الحديث في حلقة أولى عن تأسيس "يونيب" وانطلاق عمله في التعاون الدولي لحماية البيئة، ابتداءً من خطة البحر المتوسط، نتابع تحليل أبرز الاتفاقيات البيئية الدولية التي قادها البرنامج، من الأوزون إلى التنوُّع البيولوجي وتغيُّر المناخ والتصحُّر. ويستند العرض إلى ذكريات وحوارات مع رائد "دبلوماسية البيئة" الدكتور مصطفى كمال طُلبه، الذي قاد يونيب منذ تأسيسه حتى عام 1992.

الأوزون: قصة نجاح اتفاقية دولية
بعد نجاح برنامج الأمم المتحدة للبيئة في التعامل مع المشاكل البيئية في عدد من البحار على المستوى الإقليمي، انتقل في أوائل الثمانينات إلى مواجهة مشاكل البيئة العالمية. وكانت البداية حماية طبقة الأوزون في أعلى طبقات الجو، أو ما يسمى الأوزون الستراتوسفيري، الذي يحمي البشر من الأشعة فوق البنفسجية، المسؤولة عن سرطان الجلد وعتامة العين (الكاتراكت)، التي يمكن أن تؤدي إلى العمى، ونقص المناعة.

حين تراكمت الأدلة على أن هناك نقصاً مستمراً في طبقة الأوزون العلوي، وافقت الدول على بدء المفاوضات لإعداد اتفاقية لحماية طبقة الأوزون. واستمرت المفاوضات من 1982 حتى 1985، وصولاً إلى اتفاقية فيينا، التي لم تتضمن أي التزامات سوى التعهد بضرورة استمرار البحوث العلمية. ومع ظهور الخلاف بين الدول الصناعية والدول النامية للاتفاق حول من يتحمل كلفة التحوُّل، نجح مصطفى طُلبه في اقناع الدول الصناعية بمنح الدول النامية في الاتفاقية عشر سنوات سماح قبل تطبيق الإجراءات التي يتم الاتفاق عليها. فوافقت الدول الصناعية وارتاحت الدول النامية. وكان هذا أساس اعتماد مبدأ "المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة" في اتفاقيات لاحقة، خاصة المناخ.

لكن تبايُنات كبيرة ظهرت بين الولايات المتحدة وكندا ودول الشمال الأوروبي من جانب، والاتحاد السوفياتي والصين واليابان من جانب آخر، لأسباب اقتصادية وسياسية. كان لا بد من إيجاد حل وسط، فانتهى الأمر إلى الموافقة على مبدأ عرضه طُلبه، وهو الاكتفاء بتخفيض الانتاج والاستخدام بمقدار 50 في المائة عام 2000 عما يكون عليه عام 1990، الأمر الذي يتيح لمن ليس لديهم بدائل للكلوروفلوروكربونات أن يحصلوا عليها. وتم اقرار ذلك في المؤتمر الوزاري الذي عُقد في مونتريال في سبتمبر (ايلول) 1987.

صندوق الأوزون
في بداية 1989 دخلت اتفاقية مونتريال حيز التنفيذ، وعقدت الدول المصدّقة عليها اجتماعها الأول في هلسنكي، عاصمة فنلندا. وقد أثارت الدول النامية في ذلك الاجتماع، ولا سيما الصين والهند، ضرورة أن يكون هناك صندوق خاص لمساعدة الدول النامية مالياً على تنفيذ التزامات الاتفاقية. لكن الدول الصناعية عارضت فكرة إنشاء صندوق خاص لهذا الغرض. وقد انقلب الموقف حين عُقد مؤتمر الاطراف التالي في لندن في يونيو (حزيران) 1990، إذ كانت أوروبا متحمسة لتنفيذ الاتفاقية، لأن شركاتها الصناعية قاربت الوصول إلى البدائل عن الكلوروفلوروكربونات، مما يؤذن بتحقيق مكاسب ضخمة. وقد ساعد هذا في الاتفاق على انشاء صندوق الأوزون بميزانية أولية بلغت 240 مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى. كما وافق المؤتمر على ما طرحه طُلبه أثناء مفاوضات بروتوكول مونتريال، وهو أن ينتهي إنتاج واستخدام المواد المستنفدة للأوزون كلياً سنة 2000، بدلاً من 50 في المائة التي أقرها البروتوكول. وما لبثت الدول أن قدمت هذا التاريخ إلى سنة 1997، ونجحت في جميع المراحل. وقد اعتُبر بروتوكول مونتريال الاتفاقية النموذجية للتعامل مع المشاكل البيئية العالمية. ويعتقد كثيرون أن النجاح في التعامل الناجح مع قضية التغيُّر المناخي يتطلب اعتماد النهج الذي طبقه مصطفى طُلبه في قضية الأوزون، أي تقديم الإثباتات العلمية، ووضع برنامج قابل للتطبيق، وتأمين التمويل المناسب.

تغيُّر المناخ
برزت قضيتا تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي إلى السطح خلال الفترة الأخيرة لإعداد بروتوكول مونتريال واتفاقية بازل للنفايات الخطرة. عقد "يونيب" مؤتمراً دولياً في جنيف عام 1989 عن تغيُّر المناخ، بالاشتراك مع منظمة الأرصاد الجوية وبالتعاون مع منظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة. وقد أصدر المؤتمر عدداً من التوصيات، بعد دراسة كل المعلومات العلمية المتاحة، كان أهمها ضرورة بدء مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تتضمن اجراءات محددة لتخفيض الانبعاثات الغازية التي تؤدي إلى ارتفاع معدل درجة حـرارة العالم، وفي مقدمها ثاني أوكسيد الكربون.

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التوصية، ولكن بعض الدول الصناعية حاولت ألا تترك "يونيب" مرة أخرى في قيادة المفاوضات. ووفق طُلبه، كان واضحاً أن هذه الدول لم تكن ترغب بإنشاء صندوق آخر على غرار صندوق الأوزون. لذا أنشئت لجنة حكومية للتفاوض وسكرتارية خاصة تتبع الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، تضم في عضويتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ويروي طُلبه أنه في أحد الاجتماعات التفاوضية في واشنطن، تحدث الرئيس جورج بوش الأب، الذي تحاشى تماماً أي ذكر لمصطلحات ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض أو الاحترار العالمي أو الاحتباس الحراري، وطالب بمزيد من الدراسات والبحوث، ولم يقترح أي إجراءات لتخفيض الانبعاثات. وقد جاءت الاتفاقية الاطارية لتغيُّر المناخ، التي فُتحت للتوقيـع في مؤتمر قمة الأرض في البرازيل عام 1992، معبرة عن ذلك، إذ اقتصرت على التعاون في البحوث والدراسات بلا التزامات.

وكان مصطفى طُلبه عمل في نهاية عام 1989 على انشاء "اللجنة الحكومية المعنية بتغيُّر المناخ"، بالتعاون بين "يونيب" ومنظمة الأرصاد الجوية العالمية. وتفرّعت عنها ثلاث لجان، الأولى تدرس نتائج البحوث العلمية حول الموضوع، والثانية ترصد آثار تغيُّر المناخ، والثالثة تتابع الاستجابات للتعامل مع القضية. وأصدرت اللجنة منذ ذلك الوقت مجموعة تقارير، أصبحت المراجع الحقيقية لأي اجراءات تتخذ في التعامل مع قضية تغيُّر المناخ، وشكّلت الأساس العلمي للالتزامات اللاحقة. وذلك يتدرّج من تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى تدابير التكيُّف، بدءاً من بروتوكول كيوتو، الذي ينص على أن تخفض الدول الصناعية قرابة 5.5 في المائة من انبعاثاتها بحلول عام 2012، إلى التزامات قمتي المناخ في باريس وغلاسكو. لكن الموقف الأميركي ما زال يتأرجح وفقاً لسياسات الحزب الحاكم المتغيّرة كل أربع أو ثماني سنوات.

التنوُّع البيولوجي
بالتزامن مع بدء الحديث عن قضية تغيُّر المناخ، بدأ العالم يتنبه إلى الخسارة في التنوُّع البيولوجي. وقد شكّل مجلس المحافظين في "يونيب" لجنة علمية لدراسة الموضوع، عُرضت نتائجها على المجلس عام 1989، الذي قرر بدء المفاوضات للوصول إلى اتفاقية لحماية التنوع البيولوجي. وتركت الدول الصناعية المفاوضات لـ"يونيب" على أساس أنها محصورة بإنشاء حدائق نباتية ومحميات طبيعية. لكنها فوجئت بإدخال طلبه قضية الأصول الوراثية، التي تنتقل من الدول النامية لتستخدمها الصناعات الكيميائية والدوائية في الدول الصناعية لإنتاج الأدوية والمواد الكيميائية والحصول على مكاسب ضخمة. ونجحت "يونيب" في أن تتضمن الاتفاقية نصاً يمنح دولة المصدر نصيباً من الأرباح في حال استخدام أي من هذه الأصول صناعياً.

ركّز جورج بوش الأب حملته الانتخابية ضد بيل كلينتون عام 1992 على مهاجمة الاتفاقية، مدعياً أنها سوف تؤثر سلباً على كل بيت في أميركا. وبعدما انتخب بوش رئيساً، سعى وفده في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو، الذي فثتحت فيه اتفاقيتا تغيُّر المناخ والتنوُّع البيولوجي للتوقيع، إلى تشجيع رؤساء الوفود على توقيع اتفاقية تغيُّر المناخ والامتناع عن توقيع اتفاقية التنوع البيولوجي، لكن الدول لم تستجب للدعوة. ويلاحظ طُلبه أن الاتفاقات الإقليمية والدولية المرتبطة بالبيئة أدت إلى ظهور القانون الدولي للبيئة، كفرع مستقل من فروع القانون الدولي.

قصة اتفاقية التصحُّر
في أعقاب موجة الجفاف التي تعرضت لها أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة من 1968 الى 1973، طالبت الدول الأفريقية الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنظيم مؤتمر عن "التصحر". وكان هذا المصطلح، يُستخدم للمرة الإولى حينها، ولم يكن له تعريف محدد، سوى أن المقصود به كان التعبير عن تدهور الأراضي الذي نتج عن فترة الجفاف الإفريقي الشديد. وافقت الجمعية العامة على ذلك عام 1974، وأناطت ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) الإعداد لعقد المؤتمر. وقد عرَّفت اللجنة التحضيرية التصحُّر بأنه انخفاض إنتاجية التربة الى صفر اقتصادياً، وأن التصحُّر يأتي عن طريق سوء استخدام الأرض الزراعية أو استغلالها لغير أغراض الزراعة، كإقامة المباني والطرق والمطارات، إضافة الى تأثير الجفاف وشح المياه. كما حددت الخسارة الناجمة عن استمرار التصحر بنحو 40 مليار دولار سنوياً، بينما يكلّف تنفيذ البرنامج المقترح للحد من زحف التصحر 2.4 مليار دولار سنوياً.

عند انعقاد المؤتمر الدولي الأول عن التصحُّر عام 1977 في نيروبي، اعتبرت الدول الصناعية التصحُّر مشكلة إقليمية تخص أفريقيا وحدها. ولما شرح العلماء أن التصحُّر يصيب أكثر من قارة وأن الغرب ليس بعيداً عن آثاره، بسبب اضطرار الأفارقة إلى الهرب نحو الشمال، أدركت الدول جميعاً أن المشكلة أكبر من أن تكون إقليمية، وتوافقت بالاجماع على خطة عمل. واستمر "يونيب" في تنفيذ البرنامج الذي أقرّه المؤتمر، بميزانية متواضعة، إلى أن عقد مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، الذي أوصى الجمعية العامة للأمم المتحدة ببدء المفاوضات من أجل الوصول الى اتفاقية لمكافحة التصحُّر. وبعد سنوات من المفاوضات، دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1996. واستمر تنفيذ اتفاقية التصحُّر ببطء حتى عام 2002، حين أضافتها قمة التنمية المستدامة في جوهانسبورغ إلى القضايا التي يمولها مرفق البيئة العالمي. وكانت معظم الدول الغربية ما زالت لا تعتبر التصحُّر قضية عالمية، بل مشكلة محصورة في أفريقيا، قبل أن يطرق التصحر أبواب دول الشمال نفسها بفعل تغيُّر المناخ، وتنشأ في أوروبا نفسها هيئة مختصة بقضايا التصحُّر في القارة. ومع هذا، فقد ظهر جلياً من حجم ونوع المشاركة في المؤتمر الخامس عشر للدول الأعضاء في الاتفاقية، الذي عُقد الأسبوع الماضي في أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، أن المفهوم العام ما زال يعتبر التصحُّر مشكلة أفريقية في الأساس.

التعاون طريق الحل
عندما بدأ العمل للحد من استخدام الغازات الضارة بالأوزون، اعترض مستثمرون قالوا انهم اشتروا مصانع لإنتاج أجهزة التكييف والتلفزيونات والثلاجات وغيرها، وهذه كلها تستخدم الفريون (أحد الكلوروفلوروكربونات). وطالبوا كشرط للالتزام بالاتفاقية تعويضهم ثمن المصانع القديمة وتأمين المواد البديلة. التسوية التي ابتدعها مصطفى طُلبه في حينه قامت على تعويض ما تبقى من قيمة المصنع القديم، بناء على عمره الافتراضي، وفرق السعر بين الكلوروفلوروكربونات والمواد البديلة، أي "الكلفة الاضافية" التي يتكبدها صاحب المصنع وليس ثمن المصنع الجديد كله. فإذا كان عمر المصنع الافتراضي قد انتهى، لا يُدفع لصاحبه سوى فرق ثمن بديل الكلوروفلوروكربونات. وكان طُلبه يعتقد أنه يمكن تطبيق هذه الآلية في قضية تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

الواقع أن لا أحد يريد أن يضع كل أوراقه على طاولة المفاوضات دفعة واحدة: قضية إنتاج انبعاثات غازات الدفيئة لكل فرد في كل دولة، كمية الانبعاثات نسبة إلى كل دولار من الناتج المحلي، الإنتاج التراكمي لغازات الدفيئة في كل دولة، البدائل، المعونات المالية والفنية اللازمة. لكن لا بد أن تناقَش كل هذه الأمور بجدية وشفافية، مع الاستعداد للقاء في منتصف الطريق.

مصطفى كمال طُلبه كان يؤمن أن أخطر المشكلات البيئية العالمية وأكثرها تعقيداً هي قضية تغيُّر المناخ. ويجدر اليوم، في الذكرى الخمسين لإعلان استوكهولم وتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، الالتزام مجدداً بدعوته إلى التعاون للاتفاق على تسويات مقبولة، واتخاذ قرارات حاسمة بالنسبة إلى عمليات التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي. وكأن طُلبه يذكّرنا اليوم أن الدبلوماسية البيئية ما زالت قادرة على اجتراح نجاحات لا تقل عن اتفاقية الأوزون.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات