كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
الشمس هنا لتبقى

الشمس هنا لتبقى

 

في كلمته الافتتاحية أمام القمة العالمية لطاقة المستقبل في أبوظبي، قال الدكتور سلطان الجابر، وزير الدولة الإماراتي ورئيس شركة مصدر، إن «الطاقة المتجددة عنصر أساسي لبناء مستقبل مستدام، وهي تحولت اليوم من بديل عالي الكلفة الى تكنولوجيا منافسة». في ذلك اليوم، كان سعر برميل النفط لامس الأربعين دولاراً، هابطاً من 120 دولاراً قبل شهور قليلة، بعدما كان وصل الى حدود 150 دولاراً. حين يأتي هذا الكلام في ذلك الوقت بالذات، من وزير في دولة نفطية رئيسية، فهو يعبّر عن تبدل جذري في أسواق الطاقة. الطاقات المتجددة خرجت من أحلام الطفولة الى مرحلة النضوج، وأصبحت جزءاً لا يمكن التخلي عنه في مزيج الطاقة، بغض النظر عن تقلبات أسعار النفط.

تذكّرت، وأنا أستمع الى كلام الجابر، التقرير الذي كتبته عام 1978 حول استخدامات الطاقة الشمسية، مع بدء عملي في برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ففي زيارة الى السعودية والكويت، كانت مهمتي مناقشة استخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه، من خلال اعتماد محطات صغيرة للتحلية يمكن تشغيلها بالتكنولوجيا الشمسية. في ذلك الوقت لم يكن تغيّر المناخ على جدول الأعمال العالمي، بل كان الترويج للطاقة الشمسية ينطلق من أنها ثروة متجددة يملكها العالم العربي ويمكنه استثمارها بلا حدود، في مقابل المصادر الأحفورية المعرضة للنضوب، والتي يجدر الحفاظ عليها لاستخدامها بكفاءة، ليس في إنتاج الطاقة فقط بل لإنتاج آلاف المواد المفيدة الأخرى.

منذ ذلك الوقت، بدأت بعض بلدان المنطقة برامج بحثية في الطاقة الشمسية، ظلت في معظم الحالات في الإطار التجريبي، على اعتبار أن الحصول على الطاقة من النفط المتوفر محلياً أرخص وأسهل. المخاطر الجدية لتغيّر المناخ بسبب الانبعاثات الكربونية أعطت الطاقات المتجددة، خاصة الشمس والرياح، زخماً قوياً خلال العقدين الأخيرين. وشهدت السنوات الخمس الأخيرة التحاق بعض الدول العربية بالركب من خلال برامج لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تجاوزت مرحلة التجارب، خاصة في الإمارات والسعودية والمغرب.

غير أن الاستثمارات في الطاقات المتجددة كانت ترتفع مع ارتفاع أسعار النفط، على اعتبار أنها أصبحت مجدية اقتصادياً، وتنخفض مع انخفاضه. وقد انعكس هذا على أسعار أسهم شركات الطاقة المتجددة، التي انهار بعضها حين هبطت أسعار النفط عام 2008. وهنا تكمن المفارقة، إذ أن الهبوط الدراماتيكي في أسعار النفط لم ينعكس سلبياً هذه المرة على الالتزام بالطاقة المتجددة. وهذا يؤشر إلى بزوغ عصر جديد، من أبرز معالمه أننا لم نعد نتحدث عن «الطاقة البديلة» التي كان الفكر البيئي يحلم في بداياته أن تلغي مصادر الطاقة التقليدية، بل عن «الطاقة المتجددة» التي هي جزء من مزيج متوازن للطاقة، يأخذ في الحسبان الاعتبارات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

هذا الواقع الجديد أكدته مداولات الدورة الخامسة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا)، التي التأمت في أبوظبي أيضاً، بمشاركة 150 دولة. فقد أظهر التقرير السنوي للوكالة أن كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة تستمر في الانخفاض، حتى أنها وصلت في بعض البلدان الى أقل من أسعار الطاقة التقليدية. وقد انخفضت كلفة الألواح الشمسية الفوتوفولطية الى النصف بين عامي 2010 و2014، مما سمح بإنتاج أكبر لقاء حجم الاستثمارات، التي وصلت الى أرقام غير مسبوقة في كثير من البلدان. فقد أعلنت الصين أنها استثمرت عام 2013 أكثر من 56 بليون دولار، من أصل 214 بليوناً استثمرت في الطاقات المتجددة على مستوى العالم في الفترة نفسها. وتجاوزت قدرة إنتاج الطاقة المتجددة التي أدخلتها الصين في تلك السنة فقط مجمل إنتاج مشاريعها الجديدة لإنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري والمحطات النووية مجتمعة.

في عام 2014 كانت الطاقة المتجددة أكثر مصادر الطاقة نمواً في العالم، إذ حصدت استثمارات وصلت إلى 310 بلايين دولار. وكان هذا النمو نتيجة للفرص التجارية التي وفرتها، بالتوازي مع ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء. هذا ما جعل حصة الكهرباء من الطاقة المتجددة تبلغ 22 في المئة من المزيج الطاقوي في الصين اليوم، وصولاً إلى 32 في المئة خلال عشر سنين. وفي المكسيك بلغت حصة الكهرباء من الطاقة المتجددة 15 في المئة، وصولاً إلى 35 في المئة سنة 2024.

وتتالت قصص النجاح في اجتماع «أيرينا»، التي لم تكن المنطقة العربية غائبة عنها. فقد أعلنت هيئة كهرباء ومياه دبي عن توقيع عقد مع شركة «أكواباور» السعودية لبناء محطة شمسية تنتج 200 ميغاواط من الكهرباء. المثير في الموضوع أن هذه المحطة ستعمل على أسس تجارية بحتة، من دون أي دعم، وتبيع الكهرباء بسعر يقل عن 6 سنتات لكل كيلوواط ساعة. بالمقارنة، تصل كلفة الإنتاج من المحطات العاملة بالوقود التقليدي في معظم دول المنطقة إلى ضعفي هذا المبلغ. وجواباً على سؤال حول ما اذا كانت الشركة تتخوف من الانهيار بسبب هذا المشروع بعد الانخفاض المذهل في أسعار النفط، أجاب الرئيس التنفيذي بادي بادماناتان: «نعدكم أننا سنتابع بناء محطات تبيع الكهرباء الشمسية بسعر ينخفض سنة بعد سنة». وكانت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية أعلنت أنها وقعت عقداً لبناء محطة لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية تصل قدرتها إلى 60 ألف متر مكعب يومياً، كبداية لتعميم هذه التكنولوجيا. وإذ أعلنت المؤسسة في المؤتمر أنها تعتبر الاستمرار في الاعتماد الكامل على النفط للتحلية انتحاراً، قال رئيسها: «أنا فخور أن أكون جزءاً من عصر الطاقة المتجددة».

شركة المفروشات والأدوات المنزلية العالمية «إيكيا» أعلنت خلال المؤتمر أن إمدادات الكهرباء في كل مواقعها من صالات عرض ومستودعات ستكون قبل سنة 2020 مستمدة من ألواح شمسية مركبة على سطوحها. كما أنها ستبيع في جميع مخازنها أنظمة لإنتاج الكهرباء من الشمس جاهزة للتركيب على السطوح، بالسهولة نفسها التي يجمع فيها المستهلك اليوم سريراً أو طاولة اشتراها من «إيكيا». وكما غيرت «إيكيا» قواعد اللعبة في تجارة المفروشات خلال العقود الأخيرة، بإيصالها إلى جميع الناس بنوعية جيدة وأسعار مقبولة، يتوقع كثيرون أن تلعب دوراً محورياً في تغيير قواعد لعبة الطاقة المتجددة.

الذين شاركوا في اجتماعات «مصدر» و«أيرينا» خرجوا بقناعة أن الطاقة المتجددة أصبحت أمراً واقعاً وخياراً اقتصادياً ضرورياً، مهما انخفضت أو ارتفعت أسعار النفط، لأن الاستثمار في الطاقة المتجددة ثابت ومردوده لا يتبدل مع تقلبات السوق.

نجيب صعب

nsaab@afedonline.org

www.najibsaab.com

 

 

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات